إشارات أولى في تفسير برود الشوارع العربية إزاء الإبادة في غزة…

تردد بكثرة السؤال حول أسباب موت الشارع العربي ولامبالاته المخزية أمام المجازر المرعبة التي يرتكبها الكيان النازي في حق من يُفترض أنهم جزء ممّا اصطلح على تسميته بالأمة العربية الإسلامية. فبعد خروج بعض المظاهرات "المؤطَّرة" رسميا وشبه رسميا خلال الأيام الأولى للعدوان ومجزرة مستشفى المعمداني خاصة، هدأت الشوارع العربية تماما وانصرفت إلى متابعة شؤونها اليومية وكأنها اعتادت مشاهد القتل والتهجير والتدمير والتجويع وصارت تتعامل معها كمادّة إعلامية افتراضية.

لنفهم كارثية رد الفعل المخزي عربيا وإسلاميا، يكفي أن نقارن بالزخم الاحتجاجي المطالب بوقف المحرقة المتواصل أسبوعيا بل والمتصاعد على امتداد أشهر في الشارع الأمريكي والأوروبي.. أي في الدول التي صنعت الكيان وتستمر في دعمه وحمايته.

الاحتجاج الشعبي فعل سياسي خالص. أي فعل أخلاقي وعقلاني معا. أي أنه التجسيد الأرقى للحرية. والسياسة/الأخلاق/العقل= الحرية.. في مجتمعنا تمّ قتلها بشكل ممنهج. الدولة المستبدة التي خلّفها الاستعمار صادرت فضاءات التفكير والسياسة. حاولت نُخب وطلائع شبابية مناضلة خلال عقود مناكفة الدولة الاستبدادية مطالبة بحقوق المواطنة.. أي بالحرية. وكانت "قضية فلسطين" العنوان الأكبر الجامع الذي يختزل مواجهة الاستعمار العالمي والاستبداد المحلي معا. لذلك كانت أحداث فلسطين مناسبة "طبيعية" للتظاهر في الشارع ومواجهة الدولة "الوطنية" المستبدة التي تمنع التحاق الجماهير بحرب التحرير في فلسطين.

وحين اندلعت الثورات العربية الأخيرة، رفعت كل الشوارع العربية شعار تحرير فلسطين بالتوازي مع الفرح بسقوط الاستبداد.

كان ذلك تجسيدا واقعيا مثاليا لكون الحرية مطلب أخلاقي/سياسي/عقلاني .. "وطنيا" و"عربيا" و"عالميا ".

كان ذلك قوس تحرر عربي مفاجئ وهشّ، سرعان ما أدركت الصهيونية المتحالفة مع الاستعمار العالمي ضرورة غلقه.. فكانت الانقلابات.

الانقلابات أعادت الاستبداد. استبداد يعي أن التظاهر من أجل فلسطين هو تظاهر ضده.. إن تمّ السماح له أن يبلغ مداه المنطقي. لذلك يمنع التظاهر "الشعبي" الحقيقي بالعنف العاري. أو يجتث محركات التظاهر من الجذور، باعتقال المعارضين ومحاصرة الجمعيات وبث حالة من الخوف والرعب من التسيّس.

سؤال آخر :لماذا لا يتحرك الشباب الجامعي والتلمذي كما كان يفعل شباب الثمانينات؟

ببساطة هناك قطيعة عميقة في الوعي الشبابي. شباب الثمانينات نشأ على فكرة محورية تقدّس السياسة باعتبارها التزاما أخلاقيا نضاليا يكلف السجن والموت.. أما شباب اليوم فقد نشأ وعيه منذ أكثر من عشر سنوات تحت قصف إعلامي/مجتمعي يخوّن كل السياسيين ويصمهم بالانتهازية والوصولية والسرقة... الخ.

هناك أسباب أخرى طبعا…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات