تونس مستعمرة.. ولا نحتاج تسريبات لنكتشف معلوما من الاستعمار بالضرورة…

القرار السياسي في كل الدول العربية ليس فقط مخترقا، بل هو مُصادر كليّا من مراكز الاستعمار القديمة والجديدة. كيفيات هذه المصادرة تتفاوت بحسب عوامل كثيرة أهمها طبيعة المستعمِر (أمريكا وفرنسا تحرصان على الحضور العسكري الميداني في مستعمراتها وتتنافسان في ذلك في حدود ما تسمح به مصالح كليهما.. فرنسا في افريقيا وأمريكا في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية… انجلترا استعمار يعول على المخابرات التي تكاد تكون إبداعها الحديث الخاص بها.. وعلى التنسيق اللصيق مع حليفتها/ابنتها أمريكا ومع لقيطتها إسرائيل.. الكيان الذي يمثل التكثيف العسكري والمخابراتي للاستعمار القديم مضافا إليه الاستيطان البشري المسلح بالخرافة الدينية… الخ).. ويجمع بين هؤلاء اعتمادهم بالأساس رافعتين عالميتين تمتد أذرعهما إلى كل جهات الأرض : بنوك المال.. وشركات الطاقة.

العامل الثاني المحدد في "صيغة الاحتلال" هو طبيعة المجتمع : في الخليج يتم توظيف الانقسامات القبلية وصراعات عائلات الحكم.. في العراق وسوريا ولبنان واليمن يتم توظيف الطوائف الدينية البدائية.. في تونس الاستعمار بنيوي : كل قطاعات الحياة من سلاح جيش واتصالات وبذور وتكنولوجيا ومواد استهلاكية وتعليم… الخ.. كلها متحكم بها بشبكة من اللوبيات التابعة لاحتكارات أجنبية… وإن شئنا تبسيطا منهجيا لمن يريد مثالا حسيا على أننا مستعمرة لخوارج كثر، يكفي متابعة مسار الأموال التي تسيل في البلاد.. كلها تنتهي في بنوك المستعمِر حتى إن لم تمر بفروعها "الوطنية".

نأتي الآن إلى ما يتم تداوله بذهول من انكشاف اختراق فرنسي كارثي للرئاسة… للأسف أشعر أن "جمهور ملاعب السياسة" عالق في مرحلة التسيّس التلمذي. يوم كنا نتداول باستغراب وحماس تفاصيل علاقة بورقيبة زعيم الحركة الوطنية المفترض.. بفرنسا الاستعمارية.. وكانت عقولنا الغضة تشعر بالصدمة.. قبل أن نقرأ طبيعة الاحتكارات الرأسمالية وآليات الاستعمار العالمي الجديد…

وسعيّد.. وسفير فرنسا.. وأمريكا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا… من كل هذا؟؟؟

يوم دخل سعيد إلى القصر كانت ترتيبات الخارج سبقته إلى هناك وأعدت على عجل أدوات عملها البسيطة.. لأن "الكادر" الكبير كان جاهزا من قبل. التحولات الإقليمية اللاحقة.. وترجماتها المحلية.. لم تحدث تغييرا جذريا في المشهد…

المغزى: من العبث التقاذف بالعمالة لفرنسا أو غيرها.. والاستبسال في إثبات اللاوطنية بين من أمضوا حياتهم يحلمون بوضع لبنة في مسار الاستقلال الوطني الحقيقي.

لا تكونوا وقودا سهلا ومجانيا في معركة يحرك خيوطها عدو مشترك.. وندفع ثمنها جميعا…

تبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات