أرى و أثمن النقاشات الدائرة حول إلتقاء الفرقاء السياسيين في جبهة مقاومة الإستبداد و بطبيعة الحال سنجد من يرحب و يدعو لها (قديما و حديثا) و سنجد من يرفضها بصفة قطعية أو بصفة تركت بابا مفتوحا لتطور الموقف، لي هنا بعض الملاحظات الشخصية و التي لا أعتبرها إمتلاكا لأي حقيقة كانت و لكن عصارة تجربة في علاقة بالموضوع :
— البديهية الأولى : المشهد السياسي التونسي يشتمل على إيديولوجيات مختلفة وراءها فكر سياسي مختلف (و لو أني أرى شخصيا ضعفا في التعبير عنه). في هذا المشهد هناك المتطرفون يمينا و يسارا و فيهم ورثاء معارك جامعة القرن الماضي و هناك أحزاب و حركات عديدة في وسط المشهد. المهم أن يلتقي الوسط بمختلف مدارسه الفكرية من أجل تصور مستقبلي للبلاد بعد قوس الإستبداد. الإقصاء في تقديري يقصي التطرف فقط و ربما لا بد من توضيح مضمون هذا في نقاش مستقل عن هذا.
— أغلب المنددين بالتقارب بين الفرقاء و أغلب الرافضين للحوار في الساحة لهم تشخيص و رأي واضح : إنعدام الثقة من أجل مواقف و ممارسات سابقة و هي صور و إنطباعات حقيقية من جميع الأطراف ضد جميع الأطراف و الأشخاص، هي صور ثابتة جامدة مثل صورة فوتوغرافية. و حتى و لو كانت مجموعة صور في أوقات مختلفة فهي لا تعدو أن تكون إلا صورا ثابتة تعبر عن لحظة زمنية.
— الصور الثابتة لأي شخص في أي موقف لا تستطيع أن تعبر عن تطور الموقف نظرا للأحداث. أعطيكم مثالا لما أقول :
لحظة 25 جويلية رآها البعض إنقلابا على الشرعية الدستورية منذ اللحظة الأولى ، البعض تغير رأيه في شهر أوت و سبتمبر بناء على أحداث واقعة و البعض لم يرها كذلك حتى بعد المرسوم 117 في سبتمبر و البعض غير رأيه في 2022 و البعض من مساند شرس إلى معارض شرس ضد نفس المنظومة .. تغيرت المواقف بديناميكيات مختلفة حسب الأشخاص و حسب القراءات و حسب الواقع طبعا.
و الأهم في نظري هو رصد هذه الديناميكيات عوضا عن الصور المستقرة في لحظة ما.
—نفس الملاحظة فيما يخص مواقف الأحزاب و الأشخاص من الإلتقاء حول تصور مستقبلي لتونس بعد غلق قوس الإستبداد ( و غلقه حتمية تاريخية طال الزمن أو قصر). شخصيا لاحظت منذ مدة و عبرت عن ذلك تطورا ملحوظا و لو طفيفا في مواقف الحركات الوسطية يمينا و يسارا في إتجاه هذه الحتمية الحضارية التاريخية للإلتقاء من أجل هدف واحد : إرساء ديمقراطية سليمة تؤمن الحرية و الرفاه و تعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقية (و هذا يحتاج إلى فترة تدرب طبيعية) و تبني مؤسسات ستكون الداعم الرئيسي للبناء الديمقراطي.
و لهذا فإني أعتبر أنه من الحكمة ألا يضيق صدرنا من الإختلاف السابق و اللاحق (نوسعو بالنا على بعضنا) و نعتبر أن السياسة مجال إختلافات و صراعات و ليست مجال عداوة لأن المشترك أكبر.
و أعتبر أن الأهم هو ليس مطالبة الآخرين بنقدهم الذاتي و لكن بتسطير ما نريد بناؤه مع بعض مع إدارة حكيمة للخلاف و الإختلاف الحكمة في إعتبار أن الأزمة التي نجتازها هي سياسية و إقتصادية و قيمية و إجتماعية و فكرية.
و لذلك فهي أزمة حضارية وجب علينا جميعا إيجاد أحسن الطرق لتجاوزها.