لا رجوع إلى الوراء؟ ها نحن تجاوزناه بمحطات. حلما لذيذا و جميلا.

قيس سعيد في سابقة تكلم على "الكارتيلات" أي المجموعات الإقتصادية التي تعمل لدحض كل مناخ تنافسي و لجلب كل المنافع و الأرباح لها دون غيرها. لست أدري بكل صراحة ما هو فهم قيس سعيد للكارتيلات و اعلم مسبقا من خلال فهمي و تحليلي لأقواله و برامجه و تصريحاته أنه لا يعي جيدا ما وراء المصطلح.

هناك تجمعات إقتصادية في تونس تنظمت في كارتيلات ضغط سواء في القطاع المنظم (و نفس الشيء في القطاع غير المهيكل و لكن يحتاج ذلك تفسيرا خاصا) و مما يستشف من أحاديث قيس سعيد أنه لا يدرك أن الدولة التونسية و أجهزتها الرسمية هي المساند الرسمي لهذه الكارتيلات و أن قوانين البلاد و مناخها الإجرائي هو الذي سمح لهذه الكارتيلات ان تصبح أقوى من الدولة أحيانا.

و هو لا يدرك أن وزارة التجارة مثلا هي وزارة تمارس الريع في التجارة بإمتياز ثم تقوم بدور توزيع الريع و هي تحمي المنتفعين بترسانة من القوانين و الإجراءات و هي سلطة إشراف على مجلس أعلى للمنافسة لم تمكنه الحكومة و الوزارة من الآليات الضرورية للعب دوره و لذلك بقيت مؤسسة محدودة الدور.

لو يستمع قيس سعيد لساعة فقط لأهل المعرفة لأدرك أن مسألة الخبز ليست معركة بين نوعين من المخابز و لو إستمع جيدا لرأى حجم الفساد المستشري في القطاع و الذي تتحمل فيه وزارات الدولة المسؤولية الأهم.

كارتيل البنوك هو كذلك تجمع مهني في ميدان إنتفت فيه المنافسة إلى حد كبير، و تدهورت الخدمات المسداة إلى النسيج الإقتصادي و الشركات الصغرى و ذلك بمباركة وزارة المالية و البنك المركزي و قوانينهما و ترسانتهما الإجرائية.

و هذا يجرنا طبعا إلى موضوع في غاية الأهمية و هو مفهوم الدولة و دور الإدارة. العقل السياسي لقيس سعيد يعتقد أن الإدارة هي إمتداد للسلطة الحاكمة و هذا خطأ قاتل. تحولت عقيدة الإدارة التونسية من خدمة الشأن العام و المواطنين و النسيج الإقتصادي إلى خدمة السلطة الحاكمة و قول قيس سعيد يكرس هذه العقيدة الخاطئة تماما.

الموضوع مهم و مصيري و النقاش العام مفقود و الشعب في عمومه لا يريد الغوص في المسائل العويصة و المعقدة و ها هو قد وجد رئيسا يجيد لغة الشعارات العامة التي يستسيغها الشعب و كل ما يصعب فهمه فهو مؤامرة.

قيس سعيد ليس له مشروع للبلاد.. مشروعه السياسي فوضوي لا ينتمي للعصر. بعض أفكاره الإقتصادية وراء العناوين الشعبوية ليست برنامجا إقتصاديا ينتج الثروة بل يوزع الفقر. و هو فوق كل هذا و كممثل للعقل السياسي التونسي العام لا يؤمن بثقافة التراكم فالتاريخ و الزمن الجميل إبتدآ ذات يوم في جويلية 2021.

لا رجوع إلى الوراء؟ ها نحن تجاوزناه بمحطات. حلما لذيذا و جميلا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات