تبنى الإعلام العمومي شعار "صوتكم الذي حررتموه" و لكن لم يرضى بتلك الحرية و رجع إلى ما يتقنه كبوق للسلطة و أصبح بذلك "صوتنا الذي إختار العبودية الطوعية".
و مع بعض الإستثناءات القليلة ، دخل الإعلام الخاص بيت الطاعة و الموالاة و الخنوع كذلك.
لم يسبق أن عاشت تونس عنفا مثل التي تعيشه هذه الأيام بمناسبة الإنتخابات الرئاسية. إيقافات إعتباطية و قضايا تحركت بالمناسبة و قرارات محكمة لا تنفذ و آخرها قانون يلغي دور المحكمة الإدارية في النزاعات الإنتخابية لأن جلستها العامة (27 قاضيا) غير محايدة !!! أما بقية القضاء العدلي و المسلط على رؤوسهم سيف السلطة التنفيذية فلاخوف منه أو عليه.
من لا يعيش هذا الوضع كعنف مسلط ضده شخصيا هو جزء من المشكل اليوم .. لأن ما يربطنا كمجتمع ليس تاريخنا أو أرضنا أو حتى جواز سفرنا .. ما يربطنا و ما يجعلنا نعيش في سلام من غير إحتراب داخلي هو عقدنا الإجتماعي الذي نحترم فيه جميعا قواعد بسيطة للعيش المشترك و من أهمها إحترام هذه القواعد و عدم المساس بها بسلطة القوة.
و مع ذلك فتغطية الإعلام العمومي و الخاص لم تستطع (مع بعض الإستثناءات القليلة) إبراز و تفسير خطورة هذا التمشي و خاصة خطر العقل السياسي الذي يتحكم فيه و ما سيكون من إرتدادات لذلك في المستقبل.
هذا عنف شديد لن يُولِّد سِلما أهلية ضرورية لبناء و تشييد بل بالعكس .. و لكن أكثرهم لا يفقهون و لا يعلمون و لا يتعلمون. و هم لا يرون أن الإنتصار الظاهر هو في الحقيقة إنتصار بطعم الهزيمة.