يطرح هذا السؤال إشكالية عميقة تتعلق ببنية الاقتصاد التونسي وتوازن القوى داخله، بين الدولة من جهة، والفاعلين الاقتصاديين (أرباب العمل والبنوك والمستثمرين) من جهة ثانية، والطبقة العاملة من جهة ثالثة. تحليل الواقع التونسي منذ الاستقلال إلى اليوم، يكشف عن مسار معقد يختلف عن النماذج الكلاسيكية لبروز بورجوازية وطنية ذات وعي طبقي ومشروع اقتصادي متكامل.
أولا: لا بد أن نتفق على تعريف مفهوم البورجوازية الوطنية و هي طبقة إجتماعية متكونة من مبادرين إقتصاديين و رجال أعمال و صناعيين و تجار و بعض المهن الحرة و يملكون رأس المال و النسبة الأكبر من وسائل الإنتاج والتبادل و لهم مصالح مرتبطة بنيويا بالتنمية الإقتصادية بالبلاد من غير إرتباط إجباري بالخارج، و هم بذلك يستثمرون محليا و يكونون المؤسسات الإقتصادية و يمولون الإبتكار و يحاولون الوصول إلى درجة عالية من الإستقلالية و الإنتاجية التنافسية.
هذا التعريف يناقض طبعا ما يعرف ببرجوازية الكمبرادور و هي الطبقة التي ترتبط مصالحها بالمصالح الخارجية و يتناقض مع البرجوازية الريعية و التي ترتبط مصالحها بالدولة أو بالسلطة الحاكمة و التي لا تخلق قيمة مضافة و لا تخلق شغلا و لا تشجع الإبتكار و هي في الغالب تنشط في قطاعات محمية ضد المنافسة من طرف الدولة.
ثانيا : لا بد من الجزم بأن البرجوازية الوطنية بهذا المفهوم ضرورية لتطوير البلاد إقتصاديا و إجتماعيا و لكن هذا التعريف لا يعتبر مكتملا من غير ما أعتبره شخصيا أهم عنصر لوجود بورجوازية وطنية بخلاف ما يعتبر بورجوازية إنتهازية أو بورجوازية تبعية و هو وعي هذه الطبقة بوجودها كطبقة برجوازية وطنية و هي القدرة على إعتبار نفسها كمجموعة إجتماعية بخصوصياتها المشتركة و مصالحها المرتبطة بتطور البلاد و إستقلالها و هي بذلك تعمل مندمجة من أجل تطور إقتصادي شامل. هذا الوعي هو وعي جماعي و ليس فردي و يهم مصالح طبقة إقتصادية يحق عليها مسمى بورجوازية وطنية.
الفرق في الخطاب بين ما يسمى بورجوازية وطنية و غيرها جلي وواضح للمتمعن : فهي تتكلم على تطوير البلاد و على السيادة الإقتصادية و الإبتكار و هي تفعل نبدأ التكامل الإقتصادي و الإندماج بين مكونات النسيج الإقتصادي و في خطابها طلب أن تكون السياسات العمومية مشجعة للمبادرة الخاصة و الإبتكار و التعليم و التكوين و مشجعة للصناعة المحلية بأنواعها.
وهي إن وجدت تؤطر الغرف التجارية في الجهات، و الجمعيات التي تعنى بالتنمية و تنسق مع كل الفاعلين و ممثلي العمل و الدولة و تبني تنظيما قادر على التعبير على مشاغل مصالحها و الدفاع عنها و تمثل بذلك مركز ثقل مقابل قوة العمل و قوة الدولة.
البورجوازية الوطنية هي التي تدفع الدولة أن تكون دولة إستراتيحية و لا أن تكون فاعلا إقتصاديا منافسا و هي التي تطالب بإصلاحات هيكلية للدولة غير فئوية طبعا.
و هي إن وجدت لها دور إجتماعي مع قوة العمل لإيجاد صيغة عقد إجتماعي يهم الأجور و التكوين و التدريب و تمويل الإبتكار و تمويل العمل الجمعياتي في إطار ما يسمى الدور الإجتماعي للمؤسسات الإقتصادية.
ما يثبت وجود هذه الطبقة هو وعيها بنفسها كقوة متجانسة و ذات مصالح وطنية مشتركة مرتبطة اسد الإرتباط بتطور البنية الإقتصادية في البلاد و القدرة على تكوين شركات و مؤسسات وطنية ذات قدرة تنافسية عالية في المستويات الإقليمية و الدولية.