السيدة نصاف بن عليّة : موضوع لا يُفكّرُ فيه بمثل هذا التبسيط والإختزال

Photo

منذ البارحة أتابع ردود الأفعال على ما صرّحت به السيدة نصاف بن عليّة. تحوّلت المسألة من الحديث عن ظاهرة اجتماعية إلى شخصنة وتسييس وهذا مع والآخر ضدّ وتضامن قطيعي وتضامن قطاعي وكلّ يدلي بدلوه... في موضوع لا يُفكّرُ فيه بمثل هذا التبسيط والإختزال.

ما قالته نصاف بن عليّة مهمّ جدّا (وإن كان خارج السياق) ويمكن أن نسحبه ليس فقط على قطاع التعليم ورجاله ونساؤه وإنما على أغلب الممارسات والمؤسسات العمومية داخل المُجتمع التونسي. فالفاعل واحد وإن اختلفت الأسماء (أستاذ-مُعلّم-طبيب-مهندس بوزارة-عون بالقباضة المالية- شاوش-عسّاس بمؤسسة عمومية…) والأفعال من نفس الصنف (تحسين الشهرية) والعقل الذي يُحرّك الفاعل له نفس التركيبة (تدبير الرأس).

الدروس الخصوصية ممارسة منتشرة ليس لأنّ رجل التعليم تحوّل إلى "وحّش مُفترس" وإنّما لأنّ العائلة تغيّرت وتلوّنت بألوان العصر فتنصّلت من مسؤوليتها في متابعة دروس أولادها ومراقبة مسارهم التعليمي وأوكلت ذلك للحضانة والمدرسة الخاصة والدروس الخصوصية، و والعائلة إن تنصّلت من مسؤوليتها ليس لأنّ الأب والأمّ "استوحشوا" ولكن لأنّ نمط عيش القرن الواحد والعشرين فرض على كلاهما الخروج للعمل من الثامنة صباحا إلى السابعة مساء… الأم تروّح تجري للكوجينة وماكينة الصابون والأب يروّح يجري للمقهى وطرح الرامي…. والعائلة لم تعد تجمعها حتى طاولة العشاء. وتغيّرت الروابط والعلاقات وأيضا أشكال التواصل.

ولذا…..

الطبيبة أصبحت تبحث على ضربات في الكلينيك لتغطية مصاريف المدارس الخاصة لأولادها، والمهندس أصبح يبحث على شوية plans يخدمهم على هامش وظيفته في البلدية أو في وزارة التجهيز لتغطية مصاريف الدروس الخصوصية لابنه إلّي في الباكالوريا وما ينجّم يقرا كان مع أستاذ الدروس الخصوصية لأنه في البيت إمّا راقد وإلاّ يشاتي… وهو وأمه فقدوا القدرة على السيطرة ولم تعد لديهم الاستطاعة للمتابعة والتحفيز.

رجل الأمن يعمل ضربات على تاكسي باش يكمّل يبني البيت إلّي فوق السطح ويعرّس. والعون بالقباضة يعدّي كعبات تصاريح لحسابه الخاص وشوية محاضر يخدمها باش يدبّر مصروف بقية الشهر… وعون cnss يبحث على طرائد يضغط عليهم ويهدّدهم بالذبح إن لم يستجيبوا لمقترحاته…

والأستاذ الجامعي ضربات ترجمة ومداخلات في محطات تلفزية ومشاركات في ندوات ومقال أسبوعي بإحدى الصحف واتفاقيات شراكات وتعاون وسفرات وكلّها مُحسّنات للشهرية حتى يقرّي أولاده في مدارس خاصة ويبعثهم يدرسوا في جامعات بالخارج. حتى الموظّف في القطاع العمومي يجري وراء les missions باش يدبّر شوية أوروات يكمّل بهم شبابك الأليمنيوم متاع الطاق الثاني.

ليس رجل التعليم الوحيد الذي يقدّم خدمات خصوصية على هامش وظيفته العمومية لتحسين ظروف عيشه وتوفير الرفاه لأولاده… لكن رجل التعليم هو الحلقة الأضعف في منظومة حياة صنعتها العولمة واللبرالية الجديدة وأنماط عيش مُبرمجة حسب تطبيقات تباع في سوق عالمية غير نظامية.

سيّب الأستاذ… وشدّ ولدك ما تبعثوش للدروس الخصوصية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات