"الإرهاب" يذبح المعنى ويحيي الأيديولوجيا

Photo

عندما نُحاول التفكير في "الإرهاب" كظاهرة رافقت تشكّل نظام عالمي جديد ليبرالي سياسيا واقتصاديا ومُعولم اجتماعيا وقيميا، لا نستطيع التفكير فيه إلاّ من خلال مُقابلته بمُتغيّرات أخرى تدخل معه في علاقات يكتسب منها معناه ودلالاته.

من بين تلك المُتغيّرات، ولعلّ من أبرزها، منظومة "القيم" وتشكيلة "الرموز" ذات العلاقة بالمُجتمع، أي بالثقافة واللغة والدين والتضامن والتآزر والاختلاف والتباين والصراع...الخ.

قد لا تبدو علاقة الإرهاب بهذه المُتغيّرات، أمام العين المُجرّدة، بائنة وجلية، غير أنّنا كلّما تفحّصنا تداعيات العمليات الإرهابية على الروابط والتفاعلات بين مُختلف تشكيلات المُجتمع المدني والسياسي حتى نكتشف في كلّ مرّة، أنّ دراسة ظاهرة "الإرهاب"غير ممكنة إلاّ في إطار علاقته بالواقع الذي يتحرّك بداخله أي بمُواجهة منظومة القيم التي تجمع وتصهر توحّد بمُختلف الأيديولوجيات التي تفرّق وتُميّز.

لذلك، في السياق المحلّي (التونسي) ومع لحظات ثورة 17-14 المغدورة، وتطوّر الأحداث خلال السنوات الخمس الفارطة، أصبح ممكنا صياغة إشكاليات جديدة ذات علاقة بموضوعة "الإرهاب" في بعده المحلّي، كذلك ومن خلال طرائق تعاطي السياسيين والإعلاميين والمُثقّفين والمُدوّنين مع ظاهرة "الإرهاب" بات التفكير المُنظّم في الموضوع يتطلّب كثيرا من الهدوء والعُمق وخاصة المعرفة بخصوصيات الواقع التونسي – السياسي والاجتماعي والاقتصادي-.

إنّ العمليات الإرهابية المُتتالية التي شهدتها تونس، تجعلنا نتساءل عن العقل الكامن خلفها، عن الأعراض الدالة على وجود عقل مدبّر وجودا عينيا ملموسا في الوقائع ذاتها. إذ من المعروف أنّ "الإرهاب" إنما ظهر ليدلّ على أيديولوجيا سياسية جديدة تعكسها مواقف وممارسات، حيث أنّ وجوده ارتبط بسياقات إقليمية ودولية شعارها إعادة تقسيم العالم بين قوى الهيمنة، كما أن الخطابات التنظيرية التي نتجت عن التفكير فيه (الإرهاب) إنّما كانت مُجرّد مظهر من مظاهر التفكير في مجتمعات ما بعد "الحداثة" بشكل عام، وفي المجتمع الليبرالي - المُعولم بشكل خاص أمّا في اتجاه دعمه والمُحافظة عليه، أو بهدف إصلاحه وتغييره.

وإذا كان لا بدّ من التفكير بعُمق في ظاهرة "الإرهاب المحلّي"، فالمطلوب عدم الاكتفاء بالإحالة على تحليلات وخطابات نظرية سوسيولوجية أو فلسفية أُنتجت بصدده خلال السنوات الفارطة، لما قد تشوب هذه التحليلات من هواجس "المُثقّف التونسي" حول تهديد "الإرهاب" للنمط المُجتمعي الحداثي، ولما يُمكن أن تستبطنه هذه الخطابات من عداء لجماعة اجتماعية بعينها، قد ترفض النخبة السياسية والفكرية الحداثية في تونس الانتساب إليها أو مُشاركتها معاييرها وقيمها ورموزها.

إنّ المُقاربات والمنهجيات البحثية، حين تُهيمن عليها جماعة مُعينة تتحوّل إلى أيديولوجيا للكفاح من أجل السلطة والنفوذ داخل المُجتمع ضدّ إرادة جماعات أخرى تُنافسها على السُلطة والنُفوذ. إنّ الأيديولوجيا في واقعنا الحالي انتعشت وتمدّدت وباتت أداة تُفرّق وتعزل وتُميّز.

وهكذا وفي ذات الوقت، يفرض علينا سؤال كيفية مُقاومة "الإرهاب"، طرح سؤال "القيم" التي توحّد وتصهر وتدمج، وسؤال الأيديولوجيا التي تُفرّق وتميّز.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات