لست من انصار التحليل الوظيفي ولا البنيوي... لكن نربط بتلّ ونحاول نفهم.

Photo

لما وصل أوباما للبيت الأبيض الأمريكي سنة 2009 كان يحمل "مشورعا" -كل رئيس المفروض يكون لديه مشروع يميزه عن بقية المترشحين- ...جزء من المشروع عنوانه "فرصة أوباما 08" وهي عبارة على استراتيجيا جديدة في التعامل مع العالم الإسلامي هدفها "سدّ الفجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي" تلك الفجوة التي أنتجتها السياسات الخارجية للجمهوريين على إثر احداث 11 سبتمبر وأهمّ عنوان لها "الحرب على العراق".

حرب العراق خلّفت دمار على مستوى الإقتصاد الأمريكي (إنفاق كبير على الحرب) وعلى الدبلوماسية الخارجية (علاقات متوترة مع أغلب البلدان العربية شعوبا وأنظمة) وأيضا أحدثت أزمة داخل المجتمع الأمريكي الذي تضرر من الحرب ماديا ومعنويا واقترنت صورته بالدمار والتجاوزات اللاإنسانية في سجن أبو غريب وغوانتانامو…

أوباما خلفه "منازل تفكير" مزروعة في جميع أنحاء العالم تصنع الرأي العام وتؤثّر في صنّاع القرار وتُوجّه القرارات. وتُقدّم للرئيس أدوات ومعطيات يتحرّك بها.

نرجع لمسألة تقليص الهوة او سدّ الفجوة.... جميع الخبراء في thik tank متاع الديمقراطيين الأمريكان اجمعوا أنّ "الإسلام السياسي" هو الحلّ. الإسلام السياسي هو القوة الوازنة والمؤثرة في المجتمعات الإسلامية وزعماء الحركات الإسلامية هم الأكثر استطاعة وقدرة للقيام بالمهمة... تاريخ وحضور وقداسة.

والخطوة الأولى التي دفع نحوها أوباما هو سحب دعمه للأنظمة الديكتاتورية في البلدان العربية...-ليس لأنه ديمقراطي ولكن لأن المصلحة تقتضي ذلك- تركها تواجه مصيرها لأنها لم تفهم الرهان. وقام بتحسين العلاقات بالسعودية وقطر والإمارات... اول زيارة أداها كانت للسعودية. (أكبر مصدّر للبترول والغاز).

الحركات الاسلامية في مصر وتونس وليبيا... انتهزت فرصة أوباما وبعثت رسائل تعبر فيها على استعدادها لدمقرطة الإسلام وعولمة المسلمين ولبرلة المحافظين... المفيد ارفعوا علينا الفيتو حتى نتفس حرية ونرجع لبلداننا ونمارس حقنا في الوطن.(ونثأر من التاريخ).

سهّلت ثورة الياسمين المهمة.... وجميع المؤشرا كانت تُخبر بأن النظام يستنى في شرارة صغيرة ليسقط... هو سقط لأنّ الحراك كان قويا والدعم كان ضعيفا.

الإسلام السياسي في مصر لم يفهم بالضبط ما هو المطلوب منه فسقط في الإمتحان. الإسلام السياسي في تونس كانت له دورة تدارك في 2013: قلّص من طموحه في السلطة وفهم أنّ المطلوب المشاركة وليس التغوّل.

صحيح أنّ الإسلام السياسي في تونس (الغنوشي تحديدا) كان ذكيا بما يكفي لخوض معركة الوجود ... للمّ الشتات وأخذ هدنة سياسية حتى يسترجع انفاسه...واستوعب المطلوب منه وقام بوظيفته على أحسن وجه إلى حدود 2018. لكن وهو يقوم بوظيفته لم يُفكّر في بناء "قوّة" ومراكمة رأسمال رمزي تسنده لمّا يُحال على التقاعد. هو حافظ على بقاءه ولكن لم يضمن استمرار هذا الوجود وتطوره…

الإسلام السياسي في تونس كان يتحرّك بماكينة عندها موطور واحد يشتغل والبقية معطّلة... الغنوشي لم يصنع حزام قوي حول الحركة ولعله تعمّد أن يكون الحزام ليّن وطيّع وفي المقابل صنع حزام ضيّق حوله وحول عائلته (بالمفهوم الواسع)... أما البقية كانوا يتحرّكون دون رؤية ولا استراتيجيا ومحرّكاتهم في الغالب كانت غريزية أو شخصية.... وتفاعلاتهم ومواقفهم حكمتها المصلحة وخاصة الخوف من المجهول.... والخوف من الملفات.

8 سنوات لم نقرأ نصّا واحداً لأحد القيادات يُفكّك او يقيّم أو ينقد في التجربة ... نحكي نصوص منشورة بمرجعيات ومراجعات موضوعية وليس نصوص يغلب عليها الطابع السياسوي الآني. او تدوينات مُنفعلة وليدة لحظة غاضبة. ولا ذاك الكلام العابر في لحظات عابرة....

8 سنوات لم نسمع غير حسّ المغارف في طناجر فارغة.... حديث في المقاهي وفي النزل وفي التراكن للتفريغ أو للتعبير عن استياء من حادثة ما. 8 سنوات لم تُفرز تصورات جديدة ولا برامج مُغايرة ولا أفكار تستشرف.... ولا مبادرات ولا بدائل ولا حتى تصور لما هو "ممارسة سياسية"... ولا حتى مناقشات.

فقط عياط وزياط وشكون يشدّ بقعة الغنوشي... وشكون يترشّح على رأس قائمة وشكون يعطوه والي وشكون يعينوه مُعتمد... وشكون يرفع صوته أكثر. عراك غير مؤسس على رؤية للمشهد ولا على استشراف للمستقبل....

الوظيفة استنزفت عقل الغنوشي... وحرب التموقعات قتلت الغنوشي.... وجعلته سرابا. ترشيح مورو هو "فعل" موطور كان معطّل دار في الإتجاه المعاكس…

انتهى.

*يمكن العودة لمخابر تفكير أمريكية مزروعة في ما يسموه "شرق أوسط وشمال إفريقيا" MENA ... والتسمية في حد ذاتها لديها دلالات سياسية وأيديولوجية.

**والمقصود بالإسلام السياسي هي حركة النهضة. لأنها الأكثر تأثيرا في المشهد السياسي.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات