المسألة الديمقراطية وهوية الانتظام السياسي

Photo

كتب الصديق المؤرّخ محمد ضيف الله وهذا ملخّص نصّه : "عاش الوطن العربي على امتداد القرن العشرين على وقع الانقلابات العسكرية (...) الواضح أن الانقلابات لم تنتج إلا الاستبداد والعنف والقهر والتبعية، وهو ما يعني أنها كانت أكبر مؤامرة استهدفت الوطن العربي(...) الانقلابات لا تخرج عن كونها منتوجا لبيوت التفكير لقوى وجهات كانت تخشى يقظة العرب، ولم يكن الانقلابيون إلاّ بيادق يقتصر دورها على تبني آمال العرب ولكنها واقعا عملت على تأبيد الاستبداد".

وأضيف متبنّيا الفكرة ومعلّقا:

-يقوم شبه إجماع عند المحقّقين المتخصصين في سياقات الانقلابات التي عرفتها البلاد العربية وفي ملابساتها وهوية من قادوها، على أنّ للدوائر المخابراتية الدولية دورا أساسيا فيها، رغم العناوين الوطنية والشعارات التحررية والوحدوية.

-عرفت البلاد العربية، مع المناصف الأول من القرن الماضي رغم الهيمنة الاستعمارية، حياة سياسية حقيقية وحرية انتظام سياسي وجمعياتي ونهضة فكرية وأدبية وانتخابات حرة. كان هذا في مصر وسورية والعراق، قبل موجة الانقلابات، وفي تونس والجزائر والمغرب قبل دولة الاستقلال. ومثلت ثورة الوفد وشعاراتها وأهدافها صورة من هذه الحياة الجديدة، ومثلت ثورة عرابي أولى الثورات المضادّة ( حكومة سعد زغلول المنتخبة لم تدم أكثر من سبعة أشهر) ، والانقلابات العسكرية المتتالية مراحل متطورة منها، والثورة المضادة اليوم امتدادا لها.

-عاشت البلاد العربية، مع بدايات النهضة، نوعين من الإصلاح : إصلاحا سياسيا فكريا نادت به النخب المختلفة وطالبت به مبكّرا من أجل حياة ديمقراطية (مستقبل الثقافة في مصر، لطه حسين، مثالا ) وإصلاح المؤسسة العسكرية ( إصلاحات محمد علي) وكان في معظمه برعاية الاستعمار. وهو ما جعل المؤسسة العسكرية أداة الانقلاب على مسار التعدد والحرية والحياة الديمقراطية الناشئة.

-تمثّل ثورة الربيع ربطا مع مرحلة ما قبل الانقلابات العسكرية وما كلن من رهان على العسكاريتاريا العربية في كبت الحلم في النهوض والديمقراطية والاستقلال.

الربيع، من هذه الزاوية، استعادة للحظة انطلاق المشروع الديمقراطي التحرري وتجاوزا للاستبداد سليل الانقلابات العسكرية. وإضافته النوعية في تلازم الوطنية والمواطنة. وهو ما يفتح مجالا للسياسة والفكر والاستراتيجيا ( نظرا وعملا)، لم تعرفه الثقافة العربية وحركة النهضة والإصلاح، مجال تعاد فيه صياغة قضايا التحرر والاستقلال التاريخي والمقاومة والمسألة الديمقراطية وهوية الانتظام السياسي ( أزمة الدولة الحديثة) لا من موقع التلمذ وإنّما من موقع من يُنتظر منه الإضافة.

فإذا كانت الديمقراطية اليونانية مشروطة بالعبودية، والديمقراطية الغربية مشروطة بالاستعمار ( يفسّر وقوفهم إلى جانب الثورة المضادة) ، فإنّ ثورة الربيع تطمح إلى أن تَبني نموذجا تكون فيه الديمقراطية مشروطة لأول مرة في التاريخ السياسي بالحرية.

لا علاقة لهذا، بتشاؤم أو تفاؤل، وإنما هو تحسس لمسار تاريخي انطلق مع الألفية الثالثة، سيكون فيه للمجال العربي وقيم الإسلام دور في الخروج من إدارة التوحش ونتائجها ( الحرب العالمية الثانية وتوازناتها السياسية والاستراتيجية المتواصلة ) إلى إدارة التعارف وآفاقها الواسعة. وهو ما سيكون مشغل القرن الواحد والعشرين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات