لا إيديولوجيا ولا يحزنون

هي حاسة شم قوية لمواقع المال واستعداد لبيع كل شيء... ،لا أكثر ،الحاكم، أو النظام إذا سقط تناثر ماله..

هذه حقيقة كنّا نسمع بها فإذا هي أمامنا واقع ماثل، بعد 14 جانفي 2011... لذلك يكثر الأغنياء، ويبرز أغنياء جدد مع الثورات وأزماتها السياسية والاجتماعية لا نتيجة لإعادة توزيع الثروة على ضوء تصور اقتصادي اجتماعي جديد وإنّما بسبب ارتخاء يد الدولة وضعف أجهزتها الرقابية، وقابليتها للاختراق بمعناه العام ومنه ما يتعلّق بتحويلات المال وتوزيعه، إلى جانب اضطراب في سبل توزيع الامتيازات وارتباك السوق كما كانت تتحكم بها السلطة الراحلة(تمدّد الاقتصاد الموازي).

ومن شأن كل هذا أن يمكّن من ثغرات عديدة تتيح لكثيرين فرص إثراء لم تكن في الحسبان ولم يكن "السُلّم الاجتماعي" في الوضع السابق يسمح بها. وتحدُث قصص شبيهة بما قرأناه في نصوص كنوز الأرض والانتقال العجائبي من الفقر إلى الغنى.

والأزمات والحروب الأهلية غالبا ما تكون "محركا لمواقع الثروة" وبروز أغنياء جدد وحتى زعماء جدد ( أسْوَد الزبد: عندنا منه برشة خاصة من عبيد النظام القديم بعد أن "تحرروا") .

مسألة المال، والمال السياسي، بعد الثورة، لعبت وتلعب دورا كبيرا في حياتنا السياسية والاقتصادية، ومستقبل الديمقراطية، ولها تأثير مباشر على دور الأحزاب والجمعيات ومع ذلك لا تُعطى الاهتمام اللازم والضبط المطلوب.

جال بخاطري كلّ هذا ومنه "السياحة الحزبية" (وصمة عار تلازم تجربتنا السياسية)، واعتصام الفاشيّة المنكر بخير الدين. وقد رأينا وجوها سياسية وإعلامية وجامعية تلتحق بهذا الاعتصام، ولئن كان هناك "لون إيديولوجي" يغلب على الملتحقين بعبير فإنّ الأمر في جوهره لا علاقة له بالإيديولوجيا بقدرما يتمثّل في اشتراك هؤلاء "الفازعين لعبير" في قوّة حاسّتهم في شمّ مواقع المال الغزير والمتاح واستعدادهم لبيع كل شيء. وعبير من هذه المواقع، في ظل تغافل الدولة عنها وعن غيرها من الأحزاب والجمعيات واللوبيات. وقد عُرِف بعضٌ ممن التحقوا باعتصام عبير بتطوافهم الأشعبي على موائد المال والتسوّل السياسي، منذ 2011.

لا يوجد حزب واحد من الأحزاب الفاعلة في انتقالنا الديمقراطي بعيدٌ عن المال السياسي…قلّ أو كثر…ولكن هناك مال يمكن أن ينقلب على اختيارات الشعوب (الانقلاب الفاشل في تركيا) ويشوه مؤسساتها ونمط عيشها، وهو ما يلحّ عليه رأس المال العربي المتصهين وخاصة في تونس في مواجهة مسارها الديمقراطي المقاوم.

وممّا أُثِر عن المرحوم الجامعي الطاهر الهمامي طيّب الذكر إشارته إلى أنّ المال قوّام الأعمال ولكنّه قبل ذلك قوّام الأقوال…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات