الانقلاب ذراع محلّي لمحور الثورة المضادّة والتطبيع ومناهضة الديمقراطيّة في المجال العربي،

وعلى هذا الأساس نواجهه.

يدرك الانقلاب أنّ فعله (فعل الانقلاب) كاف ليكشف عن حقيقته وموقعه وإن حاول التغطية على هذه الخديعة بإدانة السائد ـ وهو جزء منه ـ في مستوى التشريعات والمؤسسات والأداء، وادّعاء تمثيل ثورة 17.

وانقلاب 25 في جوهره خديعة عرفت انطلاقها الفعلي مع انتخابات 2019. وكانت الغاية تقويض التجربة الديمقراطيّة بعد استعمالها لنقل المعركة إلى داخل مؤسسات الدولة لاستعمالها للهدف نفسه.

يعرف الانقلاب حجم الإدانة الأخلاقيّة نتيجة نقضه العهود وتمزيق المواثيق واختطاف الدولة وتهديد السلم الأهلي، ويعرف عجزه البنيوي عن معالجة الأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد وقد كان من أهمّ أسباب مفاقمتها بسياسة التعطيل والترذيل ومنها حجب التلاقيح وإظهارها بعد الانقلاب للتباكي على آلاف الضحايا .

لذلك تستند شعبويته الرثّة إلى خطابات ثلاثة:

ـ خطاب التفويض الشعبي، واحتكار التكلّم باسم الشعب اعتمادا على "مفهوم متخيّل" منفصل عن الواقع. وقد تمكّن الحراك المواطني في ثلاث محطّات تاريخيّة من كسر سرديّة الدجل الشعبويّة.

ـ خطاب التخوين في مواجهة خصومه من أنصار الدستور والديمقراطيّة، وهو خطاب قائم على "الإسقاط" بالمعنى النفسي تُلبس فيه الشعبويّة خصومها كلّ ما تأتيه ويأتيه حلفاؤه من السيستام قبل الانقلاب وبعده (التنكيل بالشعب، تقسيمه، هدم الدولة من الداخل، نهب المال العام، العمالة للخارج...)

ـ وأخيرا خطاب السيادة الأجوف، أمام ضغط الشارع الديمقراطي، وهو ضغط ينكره الانقلاب، ولكنّه يضمر أنّ الحراك المواطني كان الصخرة التي تحطّمت عليها.

ولكنّه يعمد إلى التركيز على موقف شركاء تونس التقليديين واشتراطهم شريكا ديمقراطيّا في مقاربة المصالح البينيّة. وهو موقف مهمّ نفهمه من خلال أولويّة مصلحة البلاد في صراع محاور يربط بعضها مصلحته في تونس باستعادة الاستبداد والدكتاتوريّة، ويربط بعضها الاخر مصلحته بنظام ديمقراطي ممثّل لشعبه.

ويعلم الانقلاب أنّه اليوم مكشوف الانتماء إلى محور الثورة المضادّة والتطبيع بأركانها المعروفة إمارات بن زايد، سعوديّة بن سلمان، مصر السيسي) ورعاية فرنسيّة إسرائيليّة معلنة.

وقبل ذلك هو مدعوم محليّا من أذرع السيستام في النقابة المختطفة (من الشبيحة وبوليس بن علي السياسي) والإعلام الوهابي وجانب مهمّ من رأسمال الزبوني المافيوزي.

ومع ذلك يتحدّث الانقلاب الفاشل عن السيادة وتُشدّد روافده الوظيفيّة على أنّها خطّ أحمر. مع استعادة باهتة للحديث عن أنّ الضغط الأمريكي والأوروبي إنما هو لمصلحة الكيان. وفي هذا تجاهل سخيف للفرز الذي يعرفه صراع المحاور في منطقتنا وما أفضى إليه من ترتيبات جعلت من فرنسا وروسيا والكيان ومحور التطبيع العربي محورا مضادّا لتأسيس الحريّة والديمقراطيّة في المجال العربي، وحليفا موضوعيّا للمارد الصيني الزاحف خارج مجاله ونحو أفريقيا، وضديدا للجلف الأمريكي الأوروبي التركي القطري.

فالولايات المتّحدة، وهي لم تتعافَ بعد من شعبويّة ترامب، تعيد بناء استراتيجيّتها في علاقة بالعرب المسلمين استعدادا لمنازلة تاريخيّة مع الزحف الأصفر سيكون لها بصمتها على المنتصف الأوّل القرن 21، وملامح عالم جديد.

تلك هي حقيقة الانقلاب، ونواجهه بوجوه مكشوفة على ضوئها من منطلق الدفاع عن دستور الثورة والديمقراطيّة باعتبارهما شرْطَ القرار الوطني ودولة المواطنة الممكنة والموقف السيادي المأمول والاستقلال التاريخي المطلوب…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات