لا شراكة ولا استراتيجية…

إنما هو اتفاق لامتكافئ تُجَرّ فيه تونس لكي تكون حارسا لحدود أوروبا ومجالا لتوطين المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء… ما سُمّي بـ"مذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية بين تونس والاتحاد الأوروبي" الموقعة اليوم في قصر قرطاج هو في حقيقته اتفاق بين قيس سعيّد الحاكم الفرد وممثلين عن الاتحاد الأوروبي. وهو مذكرة تفاهم بين منظومة انقلاب 25 جويلية والاتحاد الأوروبي. لذلك يثير الاتفاق نقاط استفهام عديدة حول بنوده وحول علاقة أوروبا بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

لا نعرف ما في المذكرة، غير أنّ السياق الذي وُقِّعت فيه والأطراف التي وقعت عليها يدلّان على فداحتها بالنسبة إلى الجانب التونسي ويشهدان بانفصالها عن كل قيمة. وقد كانت عديد الشخصيات السياسية (ميلونشون مثالا) والدوائر الإعلامية في أوروبا أكدت بأنّ الاتحاد الأوروبي، تحت تأثير اليمين وأقصى اليمين الفاشي، يعتبر تونس بعد انقلاب 25 جويلية وتحويله الأزمة المالية الاقتصادية الموروثة إلى نكبة وطنية ونزوله بسمعة تونس إلى الحضيض في سوق المال الدولية الحلقةَ الأضعف، والسياق الأنسب ليجعل من تونس مجالا لتوطين المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء مقابل وعود بمساعدات مالية لسد الرمق. ومع ذلك هي وعود مشروطة بموافقة صندوق النقد الدولي وإملاءاتها في "الإصلاح".

لن نتكلم باسم الشعب ولا باسم الدولة ولكنّ من انقلب على الدستور والديمقراطية وهدم مؤسساتها واغتصب السلطة وقسّم الناس وجرّ الدولة خارج الشرعية لا يمكنه أن يمضي باسم الدولة ولا باسم شعبها الذي لم يمنحه أكثر من 10% عندما استفتاه ودعاه إلى الانتخاب.

لن تقوم شراكة ولن تُبنى استراتيجيا بين تونس وأوروبا وتونس والعالم إلاّ بتونس الديمقراطية، تونس المتعددة والمجتمعة على مشروع وطني ناهض هو شرط كل رفاه اجتماعي وموقف سيادي، واستقلال في القرار الوطني.

من هذا المنطلق فإن "المسألة الأفريقية" لا تنفصل عن "المسألة الديمقراطية" ولاعن هدف استعادة مسارها بقيادة الحركة الديمقراطية. مثلُها مثْل "المسألة الحقوقية" وما يتواصل من تجريف للحقوق والحريات، ومثْل "المسألة المالية الاقتصادية"…كلها مسائل لا تنفصل عن مسار استعادة الديمقراطية.

وبالنتيجة فإنّ المشكل ليس مع بعدنا الأفريقي فهو جزء من هويتنا الجيوسياسية، وليس مع إخوتنا الأفارقة العابرين من تونس باتجاه أوروبا وإنما المشكل مع سياسات سلطة الانقلاب ومقاربتها لهذا الموضوع.

المشكل مع سياسات هذه السلطة في "المسألة الافريقية" وفي بقية المسائل. والمشكل مع أوروبا وسياساتها في أفريقيا. ونخص هولندا ونظام الأبارتايد الذي رسخته لعهود في جنوب أفريقيا وما تزال آثاره بادية حتى بعد المصالحة التاريخية التي قادها الزعيم الوطني نيلسون مانديلا، لإنهاء نظام الميز العنصري. ونخص أكثر فرنسا وجرائمها في أفريقيا (نهب الثروة، وإفساد السياسة)، ولا يمكن أن يخفى ما كان لفرنسا من دور رئيسي في إجهاض تجربة بناء الديمقراطية في تونس.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات