ثلاث لحظات: تفريط (24) ، تضليل (25) ، فتصحيح (18)...:

برنامج الحصاد في الزيتونة الأحد الفارط 26 سبتمبر مرجعيّ بامتياز. حيث كنّا أمام خطاب سياسي نوعي (تحليلا ورؤيةً) يمكن اعتماده أرضيّة لحوار بين مكونات الشارع الديمقراطي.

1

توفّق الأصدقاء حبيب وأحمد والأمين، بأناقة عالية، في:

- كسر سردية الانقلاب على ضوء 26 العظيم برسم الحدود وضبط العلاقات بين لحظات 24، و25، و18 بمرجعيّة الدستور وبناء المواطنة والديمقراطية.

- فتح الطريق أمام مبادرة 18 سبتمبر المواطنية باعتبارها إجابة سياسة عن الأزمة المركّبة ( 24/التفريط ومُنْجَزُه هدر المسار)، وردّا ميدانيا على المأزق (25/ التضليل ومُنْجَزُه هدم الدولة)، ليكون 26 خطوةً ثانية جامعة في مسار التصحيح الحقيقي بأولويّتين:

- الدفع إلى إنهاء حالة الانقلاب شعبيا (من المركز إلى الجهات ليكون المركز مجال الجولة الأخيرة)، والمساهمة في إعادة ترتيب المشهد الداخلي بالموازنة بين ما توفّر فيه من موادّ بناء سياسي وتحولات الجوار الإقليمي والدولي الضاغطة.

- استئناف التقدّم في مسار بناء الديمقراطية في ما يتاح من شروط جديدة : توفير الأسباب لانتخابات تشريعية ورئاسية. يكون ذلك نتيجة حوار وطني تحت سقف دستور الثورة والديمقراطية ومسارها.

2

هناك رأي "منمذج" يخترق خطاب المرجعيات الفكرية والسياسية التقليدية في مشهدنا مداره على أنّ طرفا سياسيا بعينه هو المستفيد من كلّ ذلك، وأعتُبِر كلُّ فعل مبادِر إلى مواجهة الانقلاب رَيْعٌ خالص لهذا الطرف، وعُدّ الفاعلون في مواجهة الانقلاب ـ في هذه اللحظة ـ ليسوا أكثر من أداة ( لا يهم إن كانت واعية أو غير واعية).

في هذا السياق اعتبر بعضهم دعوة 18 سبتمبر لحظة إطلاقها في وسائل التواصل الاجتماعي من "مواطنون ضدّ الانقلاب" عبثا. وهي، عند هذا البعض، تصبّ آليًا في مصلحة جهة سياسية بعينها(النهضة). والسؤال الذي يواجه هؤلاء: إذا سلمنا بأن هذه الجهة هي المستفيد، من هذا الحراك المواطني، لماذا هي وحدها المستفيد؟ ثمّ لم لا تكون جهات أخرى هي المستفيد، والطيف السياسي متعدّد العناوين.

وكان أولى لهؤلاء، مع اختلاف غاياتهم ومواقعهم وانتصار كثير منهم للديمقراطيّة، أن يكون سؤالهم: ماذا ستفيد الديمقراطيّة من هذه الدعوة إلى الوقفات الاحتجاجيّة والتظاهر؟ وما العمل في مواجهة الانقلاب؟ هل ننتظر اختفاء هذه الجهة حتّى يكون التحرّك مشروعا وذا مصداقيّة؟ وما الذي يمنع جهات أخرى ومنها السيستام المتلوّن بلوبياته المنغرزة في المفاصل أن تكون مستفيدا، وله تجربة معتبرة في الاحتواء والتشتيت والمناورة منذ 2011؟

3

فضل حركة 18 سبتمبر المواطنية أنّها أطلقت مواجهة الشارع الديمقراطي مع الانقلاب. وصرنا إلى ما يشبه لعبة الـPing -pong ردّا بردّ.

كان المنطلق تصريحات مستشار قيس سعيّد عندما أشار في إحدى القنوات الإماراتية إلى التفكير في تعليق الدستور فكانت 18سبتمبر . وعندما أجاب قيس سعيّد عن 18 سبتمبر بخطاب 22 الكارثي وعزمه على المضي في تعليق الدستور كانت 26 سبتمبر.

ويتلخص هذا السجال في الشعارات المركزية في التظاهرتين :


• يوم 18 ستمبر : دستور حرية كرامة وطنية.

• يوم 26: الشعب يريد ما لا تريد/الشعب يريد عزل الرئيس.

التحرك القادم سيكون مواصلة للإجابتين (18، و26) مضافا إليهما التفاعل مع رد فعل الرئيس على 26، وفي كلّ الأحوال لم يعد لقيس سعيّد الجرأة على الإحالة إلى الشعب الذي كان يحتكر الكلام باسمه. وقد يتبين له الفرق بين "الشعب المتخيل" الذي يتكلم باسمه، ولم ير الناس منه إلا أفرادا بعدد أصابع اليدين والقدمين يحرق دستور الثورة على طريقة الغلاة والحشاشين والحركات الفاشية والمنظمات النازية، وبين الشعب الذي قامت آلاف منه في شارع الثورة مطالبة برحيله ومدافعة عن الدستور والديمقراطية.

ويبدو أنّ "مليونية أنصاره" يوم 25 قد جرّت لسانه وأعجزته عن الردّ إلى حدّ الآن. مناهضة الانقلاب تتوسّع لتشمل جلّ أحزاب المشهد السياسي ومنظماته وجمعياته وروابطه، ولكنها تلح هذه المرة على أن الحوار لا يكون إلا من أجل مشترك وطني على قاعدة الدستور والديمقراطية بقاطرة مواطنية.

4

لذلك يتوقع أن يكون التحرك القادم الخاتم تحت شعار: رحيل الانقلاب والدخول في مرحلة محو آثاره. وفي المستوى التقني، العمل على مرحلة انتقالية بستة أشهر (سنة على أقصى تقدير) بمرجعية الدستور والمسار الديمقراطي تقودها حكومة استئناف المسار يصادق عليها البرلمان مكلفة باستئناف نسق الإدارة المعطّل. ووضع الميزانية ومجابهة الأزمة المالية والصحية، والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية بها يغلق قوس الانقلاب.

قبل 25 كنّا نقول: يجمع أنصار الديمقراطية مهمّتان:


- دعم شروط الديمقراطية واستكمال مسار بنائها السياسي والمؤسسي.

- نقد جذري لسنوات الانتقال العشر، والعمل على صياغة سردية وطنية لهذه العشرية تكون منصفة في تحديد المسؤوليات على تعثّر المسار وتدهوره.

اليوم تنضاف مهمة جديدة: إغلاق قوس الانقلاب ثمّ الشروع في محو آثاره.

مدى هذه المرحلة تحدده قدرة المبادرة المواطنية وكلّ الفاعلين السياسيين على إنجاز مهماتها. وكما أنّه منتظر أن تستعاد، بعد غلق قوس الانقلاب، سجالات ما قبل 25 وبأشدّ مما كانت عليه. ولكنّ ممكن أيضا أن تكون اللحظة خطوة أولى للخروج من المأزق، إذا كان المنطلق حوارا بمرجعيّة دستور الثورة والديمقراطيّة، فهذا هو المشترك الأوسع الذي سيمكّن من بناء مشتركات أخرى فرعيّة.

أهميّة لحظة 18 سبتمبر في أنّها أجابت على لحظتين التفريط بإدانتها وتحميل المتسببين فيها الرئيسيين المسؤوليّة، وفضح لحظة الانقلاب وتضليلها بانتحالها مهمة للتصحيح. لتؤكّد أنها هي محاولة التصحيح الفعلي. هي ثلاث لحظات: تفريط، تضليل، فتصحيح…

فالمواجهة اليوم بين 25 و 18، بين الانقلاب والشارع الديمقراطي…والباقي تفصيل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات