نجاح حملة التلقيح الشعبية الكبير يوم أمس لم يكن يحتاج إلى انقلاب على الدستور والديمقراطية..

1

نجاح حملة التلقيح الشعبية وتمكين أكثر من نصف مليون في يوم واحد يؤكّد أنّ سبب نجاحها الرئيسي هو نفسه الذي كان يعطّلها من خلال سياسة التعفين والتعطيل وخنق المؤسسات.

هذا النجاح لم يكن في حاجة إلى الانقلاب على الدستور والديمقراطية كان يكفي تحريك الديبلوماسية الاقتصادية المعطلة والسياسة الخارجية المجمّدة منذ سنتين لفائدة تجاذبات في أعلى مؤسسات الدولة جعلت من رئاسة الجمهورية طرفا في صراع عبثي على الصلاحيات واستهدافا للدستور الذي ضبط لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة دورها في إطار نظام شبه برلماني.

كان يكفي تسريح ما ورد من جرعات التلقيح المخزّنة، وقد تم الإعلان عن وصولها في حينه.

ثمّ إنّ البرلمان المرذّل من قبل الفاشية بتواطؤ من أعلى مؤسسات الدولة لم يكن على علاقة مباشرة بمواجهة الوباء لا علمية ولا لوجستية إلاّ من تشديده على أولوية مواجهة الوباء والحث على توفير شروط الانتصار فيها، في أكثر من بلاغ.

2

هذا يسمّى استثمارا شعبويّا في صحّة الناس، ينفع الناس إلى حين، وغايته ربط الديمقراطية بالفقر وضيق العيش ووصلها بالموت والعجز عن مواجهة الوباء.

وربط الانقلاب عليها والاتجاه نحو الحكم الفردي والجمع بين كل السلطات بوعود بالرفاه والصحة للجميع.

من جهة أخرى، من المهمّ الإشارة إلى تبدّل في مواقف الدول الممثلة للثورة المضادة (الإمارات، السعودية) التي لا تتورّع عن استهداف مكشوف للديمقراطية ومسارها وتدخّل في شأنها عن طريق الحملات الإعلامية وبواسطة أدواتها من المرتزقة في الأحزاب والمنظمات ومراكز البحث إلى نصير لتونس بعد 25 جويلية ومشيد بتجربتها الرائدة.

3

هذا التحوّل السحري من الفشل إلى النجاح لا يفسّر إلاّ بسبب واحد هو أنّ من يقدّم نفسه اليوم سببا في هذا النجاح المفاجئ هو نفسه من كان بالأمس السبب الرئيسي في إفشال سياسة مواجهة الوباء وأهمّها توفير التلاقيح والظروف الملائمة لاستعمالها على نطاق واسع.

إطلاق فرنسا والإمارات والسعودية حملة توفير اللقاحات بعد 25 جويلية جزء من سياستها في مناهضة لاختيار الشعب التونسي وثورته وديمقراطيته، وتأكيد معادلة الفقر، والديمقراطية، والاستبداد التابع ،والرفاه.

المعادلة الطبيعية هي أنّ الديمقراطيّة المستقرّة أساس الكرامة بما هي حريّة ومستوى عيش جيّد. وأنّ الطريق إلى بنائها وترسيخ كيانها مليء بالأزمات والاضطرابات. ترتبط الثورات بالأزمات والتوترات والهجرات وحتى بالمجاعات حينما تحاصر من أعدائها، ولم ترتبط ثورة بالرفاه المادي قبل أن يستقرّ نموذجها السياسي، هكذا يحدّثنا التاريخ.

4

والأصل دعم كل جهد في خدمة رفاه الناس وتأكيد حقوقهم وفي مقدمتها حق الصحّة، وفضح كل استثمار شعبوي يحاول مقايضة حقوقه وحريته ومساره الديمقراطي بهذه الحقوق.

حيل الشعبوية كما تناقضاتها لا تخفى وهي شديدة الوضوح، وكأنها تعمد إلى كل هذا لأنها تراهن على أثرها المضمون على العامة عندما تحتدّ الأزمات وتُسدّ كل المنافذ دون الخروج منها.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات