هل نستحقّ الدّيمقراطيّة ؟

أتابع ما يكتبه جامعيّونا وما يصدر عنهم من تصريحات ومواقف منذ الخامس والعشرين ... الكثير ممّن تتلمذنا على دروسهم وبحوثهم وكتاباتهم ومحاضراتهم، عدد منهم قضّى ردحا من عمره الجامعي والفكري والبحثي ناقدا للفكر المسوّغ للاستبداد الشرقي والحكم الفردي داعيا للحداثة السياسيّة و الحريّة والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان ... ثمّ ترى ما يصدر عنهم اليوم إزاء هذا الانحراف السياسي الخطير الذي شهده البلد منذ ذلك التّاريخ تصاب بالغثيان ... انقلاب جذريّ في الأفكار والقناعات والمواقف مع نزعة تبريريّة عبثيّة متهافتة ...

نعم شهدت عشريّة الانتقال الدّيمقراطي تعثّرات وإخلالات ومواطن فشل وعجز عن الاستجابة لانتظارات عموم المواطنين ... لكن أن يفضي ذلك لتجريب وسائل غير ديمقراطيّة للتّجاوز والإصلاح فهذا مضادّ للفكر الذي نظّروا له وكتبوا فيه ودرّسوه لطلبتهم …

حاورت أحدهم في هذا الصّدد فكان جوابه أنّ كلّ جهدهم على امتداد عقود في التّنوير الفكري وبناء المعرفة النقديّة والحداثة لم ينجح في تجفيف منابع الفكر الظّلامي وتعبيراته السياسيّة بينما حقّق الخامس والعشرون في وقت قياسي ما عجزوا هم عن تحقيقه طيلة نصف قرن ... هذه حكمة التّاريخ حيث يزع بالسّلطة القهريّة ما لا يزع بالفكر التنويري ...

طبعا هي حجّة ذرائعيّة عبثيّة يائسة بائسة لا تستحقّ النّقاش ... لكن الّافت أنّها تستعيد نفس المقولة التّقليديّة " إنّ الله يزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن " مع التوسّع في تأويلها لتبرير تسلّط السّلطان على رقاب النّاس وقهره لهم على غير مقتضى القرآن ...

إذا كان هذا حال النّخبة التي تنتج المعنى والرّموز والأفكار والسرديّات والرّؤى والقيم فكيف بالطّبقة السياسيّة المتناحرة وعموم الشّعب المستهدف من حملات القصف الإعلامي وتزييف الوعي ... ممّا يطرح السّؤال عن مدى استحقاقنا للدّيمقراطيّة وهل تربتنا السّوسيوثقافيّة ملائمة للمنظومة الدّيمقراطيّة ؟ وهل يجب أن نمرّ بهذا النّفق المظلم والاختبار المربك للانقلاب حتّى نستشعر قيمة الحريّة والدّيمقراطيّة فنحسن حمايتها والحفاظ عليها وتقديم التّضحية في الذّود عنها كما هو الحال في دول العالم الحرّ ؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات