بين هشاشة القانون الدّولي وأطماع الزّمن الامبراطوري

عدد من التّحاليل تراهن على عودة نظام القطبين باعتباره أكثر ملاءمة لقضايا العرب وخدمة لمصالحهم وأمنهم !!! يعني حسب هذا التصوّر الانخراط في لعبة الحرب الباردة تارة والسّاخنة تارة أخرى هو سبيل العرب للاحتماء من نار العالم أحاديّ القطب واللعب على التناقضات بين القطبين ... طبعا سيتولّد عن هذا تقسيم العرب بين كفيلين، كفيل روسي يحلم باستعادة مجد الامبراطوريّة، وكفيل أمريكيّ يعمل على تثبيت قيادته للعالم، وبينهما دول مستجيرة بهذا الكفيل أو ذاك ... كحال المستجير من الرّمضاء بالنّار …

هذا التّحليل يغفل الوضع الهشّ للاستقلالات العربيّة ولسيادتها الوطنيّة ولاقتصاديّاتها، ويغفل كذلك الخيط الوحيد الذي تتمسّك به هذه الدّول وهو القانون الدّولي الخاضع هو نفسه لمصالح الأقوياء الذين يخرقونه من حين لآخر ولا يجدون حرجا في تقديم مبرّرات ذلك الخرق حتّى لو كانت واهية ... لا خيار للعرب إلّا الاحتماء بهذا القانون الدّولي مقابل الاحتماء بالكفلاء والارتهان للأحلاف ... ويكفي جرد لحصيلة ثنائيّة القطبين في التّعامل مع قضايا المنطقة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة لكشف زيف سياسة المراهنة على تناقضات المحاور والأقطاب …

اعتبر الرّئيس الرّوسي غزو أوكرانيا يندرج ضمن حماية الأمن القومي لبلده من الزّحف الغربي ممثّلا في الحلف الأطلسي على حدوده وقدّم مبرّرات أخرى تتعلّق بمعطيات تاريخيّة وعرقيّة وثقافيّة ودينيّة، وهي معطيات يمكن أن تنسحب في الواقع على كلّ دول العالم المكوّنة من أعراق وثقافات ولغات ومذاهب وأديان موزّعة على امتداد القارّات بفعل الطّابع الأمبراطوري لما قبل الدّول الحديثة états nations ذات الحدود المضبوطة والمقنّنة بعد أن كانت مترامية على امتداد مساحة نفوذ الدّول الامبراطوريّة ومرمى مدافعها.

خريطة العرب نفسها والحدود السياسيّة القانونيّة لدول المنطقة هي نتاج اتفاقيّة سايكس بيكو لتقسيم ما سمّي بـ " تركة الرّجل المريض " أي الخلافة العثمانيّة وهي اتّفاقيّة راعت المصالح الاستعماريّة لا الطبيعيّة والجغرافية والثّقافيّة لشعوب المنطقة فقسّمت قبائل ومزّقت أوصال شعوب وأنشأت دولا لم تكن موجودة …

اليوم القبول بالمنطق الذي يقود الغزو الرّوسي على أكرانيا يفتح العالم للعودة من جديد إلى ما قبل الدّول الوطنيّة لتكون في دائرة نفوذ أصحاب الأطماع الأمبراطوريّة ... ويفتح شهيّة الحركات الانفصاليّة والنّزعات الاستقاليّة والحروب الأهليّة لاعتبارات تاريخيّة، أو عرقيّة، أو دينيّة، أو مذهبيّة، أو ثقافيّة ...

خريطة العالم ليست قدرا محتوما، ولكن يجب التّمييز بين تغييرها عن طريق الغزو العسكريّ والإلحاق القسريّ على طريقة الزّمن الامبراطوري والاستعماري، وبين تغييرها من خلال تعاقدات واتّفاقيّات رضائيّة تفضي إلى تحالفات وشراكات وتبادل مصالح ومنافع مشتركة وربّما استقلالات أو وحدات اندماجيّة جديدة، ولكن في كنف السّلام واحترام إرادة الشّعوب.

من يراهنون على انتصار بوتين لإسناد الانقلاب

من يراهنون على انتصار بوتين لإسناد الانقلاب هم الوجه الآخر لمن يراهنون على بايدن لإسقاطه ... أولائك السّاسة يخدمون مصالح دولهم ومواقع نفوذهم فيها ... ومن يراهنون عليهم داخل أوطاننا هم طابور خامس لسياساتهم وخدّام لمصالحهم ...

ما كان لبوتين أن يخترق المجال الأوكراني لولا دعم الانفصاليين الذين لم يستشعروا الانتماء لوطن جديد ودولة حرّة مستقلّة بعد سقوط الاتّحاد السّوفياتي الذي قاد شعوب المنطقة بالحديد والنّار ... غلّبوا قوميّتهم وارتودوكسيّتهم ومصالحهم الضيّقة على حريّتهم واستقلالهم في بلد الوفرة الفلاحيّة والموارد الطبيعيّة والطّاقيّة وكلّ شروط الاستقلال ومقوّمات الاكتفاء الذّاتي ...

لن ينال بلدنا من هذه الحرب سوى المزيد من تدهور الاقتصاد وارتفاع سعر الموارد الطّاقيّة ومقوّمات العيش الأساسيّة المرتبطة بخبز النّاس اليومي ... بينما لا يزال حكيم زمانه يفرز مكوّنات شعبه ويقسم ويطرح ويتوعّد ... لك الله يا وطن …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات