درس تشريعيّات المغرب

الدّرس الأوّل البليغ أنّه في الأنظمة الدّيمقراطيّة من أتى بهم الصّندوق يذهب بهم الصّندوق ولا حاجة للانقلابات وانتهاك الدّساتير ... بل الانقلاب يمدّ في أنفاس من كان يمكن أن تحيلهم الدّيمقراطيّة على هامش الفعل السياسي ويسندهم برأسمال الضحيّة ووجدان المظلوميّة …

الدّرس الثّاني الأبلغ أنّ السياسة القائمة على ما سمّي فقه التدرّج والضّرورات والموازنات والأولويّات يمكن تتحوّل إلى ميكيافيليّة مقيتة وذرائعيّة انتهازيّة عندما تضع القضايا الكبرى على غرار الحقوق الاجتماعيّة التطّبيع مع الاحتلال محلّ مزايدة ومناورة …

التّكتيك الذي يعدّ نباهة وفهلوة في بعض السياقات قد يتحوّل إلى غدر وخيانة للعهود والمواثيق مع النّاخب وعموم الشّعب في سياقات أخرى متعلّقة بحاجات النّاس ومصالحهم والوعود المقطوعة لهم …

وعودا على الدّرس المغربي الذي حوّل حزبا للحكم من كتلة برلمانيّة تضمّ 125 مقعدا إلى أقليّة تضمّ 12 مقعدا بل خسر رئيس الحزب نفسه مقعده ، لا بدّ من الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي سقط أخلاقيّا وسياسيّا منذ أن ساهم بشكل بارز في إجهاض انتفاضة 20 فبراير / شباط 2011 الذي انطلقت بعد شهر من الثّورة التّونسيّة رافعة مطالب إصلاح شامل وعميق للمنظومة السياسيّة تحت شعار " حرية، كرامة، عدالة اجتماعية " وكان يمكن أن تنقل المغرب إلى ملكيّة دستوريّة مقيّدة …

كان المطلب البارز لحركة 20 فبراير 2011 هيئة تأسيسيّة منتخبة أو محلّ توافق على غرار الهيئة العليا التي تشكّلت في تونس بعد الثّورة أو على غرار المجلس التّأسيسي بقصد إعادة بناء المنظومة السياسيّة بشكل يجسّد ديمقراطيّة حقيقيّة تحرّر الإرادة العامّة وتحقّق عدالة اجتماعيّة ولا يكون فيها للمخزن ولوبياته اليد الطّولى والسّلطة المطلقة في الشّأن العامّ المغربي ... لكن الملك قطع الطّريق على هذه الحركة بتعيين لجنة استشاريّة لإعداد إصلاحات دستوريّة جزئيّة شكليّة ...

وصيغ دستور عارضته مكوّنات حركة 20 فبراير ... ولكن حزب العدالة والتنمية لم يكتف بعدم الانحياز لحراك 20 فبراير بالمشاركة فيه ولو بشكل رمزيّ من طرف قواعده بل ساند ما سمّي بالإصلاحات الدّستوريّة الفوقيّة التي هندسها المخزن وشارك في مخرجاتها من خلال المشاركة في انتخابات 2011 وفاز بالمرتبة الأولى وحصل على رئاسة الحكومة لتبدأ سياسة العصر والتّذويب التي خضع لها طيلة عشر سنوات حيث مسحت فيه كلّ الاتّفاقيات والقوانين المشبوهة التي قرّرها المخزن وانتهى الأمر باتّفاقيّة التّطبيع المهينة التي لم يحصّل منها المغرب شيئا في علاقة بقضيّة الصّحراء ...

انتهى الدّور الذي قرّره المخزن لحزب العدالة والتنمية الذي كان يجهد نفسه ويجاهد قواعده وناخبيه لتبرير الخضوع لإملاءات المخزن ولوبياته الماليّة والإداريّة ... وسقط سياسيّا بفشله في الاستجابة للمطالب الشعبيّة في الملفّ الاجتماعي ومكافحة الفساد ...

غير بعيد عن ذلك ما وقع في تونس مع نظيره حزب النّهضة رغم اختلاف السياقات حيث بلغت سياسة " أمّ الولد " فقدان شرف الأمّ وتضييع حقوق الولد ... ولم يكن هناك حاجة للانقلاب على الدّستور والدّيمقراطيّة في أمر يمكن أن تحسمه الدّيمقراطيّة ... بفرض إصلاحات عميقة وتغيير المشهد والتّوازنات ... لكنّ الانقلاب الرّخو فوّت على الدّيمقراطيّة التّونسيّة فرصة إعادة بناء منظومتها ومكوّناتها وبرامجها وسياساتها ...

ملحوظة أخيرة للمغرمين بسرديّة النّهايات ومن يهلّلون لنهاية الإسلام السّياسي ، إذا كان المقصود بهذا الإسلام السياسي الحركات الإسلاميّة التي دخلت غمار السياسة سواء قبل ثورات الربيع العربي أو بعده فنهايتها تعني فشل هذه الحركات على مستوى إنتاج البرامج والرّؤى والتصوّرات وهو فشل يشمل كلّ المكوّنات السياسيّة الأخرى لكن فشلها مضاعف أوّلا لأنّها تقلّدت مهامّ متقدّمة في منظومة الحكم ثانيا لأنّها زادت على الفشل السياسيّ سقوطا أخلاقيّا بملاعبة لوبيات الفساد ومجاراتها …

أمّا إن كان المقصود بالإسلام السياسي حضور الإسلام دينا وقيما وأحكاما وحضارة وثقافة في الشّأن العامّ فالعكس هو الصّحيح حيث ستبقى العلاقة بين الإسلام والشّأن العام علاقة عضويّة لا يمكن الفصل بينهما ... شعار الإسلام هو الحلّ ليس خاطئا في جوهره، ولكنّه خاطئ في تأويله وتجسيده من طرف الحركات التي رفعته وجعلت منه شعارا لحملاتها الانتخابيّة والتعبويّة لشحن العواطف دون مضمون …

ما ذنب الإسلام إذا لم يكن من تبنّوه حلّا لقضايا النّاس في مستوى الشّعار الذي رفعوه ؟ سيبقى الإسلام منظومة شاملة مكتنزة بالمعاني والتّأويلات والقيم القائمة على الكرامة الآدميّة وتحرير البشر من الإكراه وبناء الاختلاف على قاعدة التّعارف والحقوق والعدالة …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات