العرب والقانون

في مداخلته الأكاديميّة التي ألقاها بمناسبة إسناده الدّكتوراه الفخريّة من جامعة إيطاليّة أشار رئيس الدّولة بنبرة أسف أنّ العرب لم يعرفوا من القانون سوى مدلوله اللغوي أو الآلة الموسيقيّة، وأطنب في الحديث عن التحفّظ والتوجّس الذي قوبلت به هذه الكلمة وهذا المفهوم الغريب الدّخيل، وهو قول في تقديري غير دقيق ويحتاج تنسيبا …

صحيح أنّ المدوّنات القانونيّة على النّمط الحديث أي المجرّدة من حواشي الاستدلال والتّعليل والتّرجيح والجدل كانت متأخرّة، لكن عبارة قانون التي تعني المدلول القانوني التّشريعي وردت في مدوّنات الأصول والقواعد الفقهيّة والسياسة الشرعيّة حيث ورد في العديد من هذه المؤلّفات عبارة قانون الشّرع وقانون الشّريعة والقوانين الفقهيّة وقانون السيّاسة وقانون العدل وقانون الحكمة فضلا عن قانون التّأويل وقانون الاستدلال وقانون اللغة والنّحو …

بل وردت مرادفات عبارة القانون من قبيل الأحكام والقواعد والأصول المجرّدة التي تعني حرفيّا المدلول اليوناني للقانون kanun الذي يفيد على وجه الحقيقة العصا المستقيمة التي تقاس بها الأشياء الماديّة وعلى وجه المجاز كلّ ما يستنبطه العقل لقياس المعاني المجرّدة ولذلك يستعمل القانونيّون المغاربة مثلا عبارة المسطرة القانونيّة عوضا عن القاعدة وهي ترجمة حرفيّة لعبارة. règle

فأصول المسائل وقواعدها وأحكامها هي قوانينها وقد ورد في لسان العرب " القَوانِينُ الأُصُول، الْوَاحِدُ ‌قانُونٌ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ " وقد راوح الاستعمال في المدوّنات المذكورة بين عبارة القواعد والأصول والأحكام والقانون أحيانا كمرادفات وأحيانا بمدلولات مختلفة جزئيّا حسب السّياقات وفنون المعرفة إلى أن استقرّ المفهوم الحديث للقانون.

لذلك ليس من الدّقيق علميّا اعتبار فكرة القانون غريبة عن التّراث العربيّ.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات