سلعنة الفنّ !!!

تابعت على إحدى القنوات العربيّة حوارا مع مخرج المسلسل الرّمضاني المثير للجدل ... لم يلفت انتباهي ما ذكره في إطار التّسويق الفجّ المغالط لمسلسله من اعتباره أنّ من اعترضوا عليه هم التيّارات الرجعيّة الظّلاميّة واعتباره السبّ والثّلب الذي تعرّض له دليل على نجاح المسلسل في التّحذير من الظّاهرة التي تفاقمت مع حكم الإخوان ...

ولكن لفت انتباهي تمثّله الغريب للعمل الدّرامي وأركانه ... حيث عرّف نفسه ببائع محتوى ترفيهي " رغم خطورة القضيّة التي يطرحها "، واعتبر اتّفاقه مع المشاهدين قائما على ثلاثة قواعد : أن يُضْحِكَ المشاهدين، أن يُبْكِيَهم، أن يتركهم ينتظرون من خلال التّشويق " واعتبر أنّ كلّ عمل يقوم به يجب أن يستجيب لهذه هذه القواعد الثلاثة فإن استجاب يعتبر حسب تصوّره عملا ناجحا …

اللافت في هذا الاعتراف المثير أن الدّعوة إلى التّفكير وتنمية الحسّ الجمالي والقيمي ليست من ضمن القواعد التي تشكّل فلسفة المحتوى الذي يبيعه هذا المنتج " النّاجح " ويعرضه على قناته ويسوّق له ... بل هو منتوج ترفيهيّ تسويقيّ لا يخاطب العقول، بل يستهدف ابتزاز العواطف ودغدغة الغرائز ... فهو يُضحك المشاهد ويبكيه ويأسره ليبقى " مُسَلْسَلَا " في حالة انتظار وترقّب للحلقة الموالية من المُسَلْسِلِ ...

تمثّل "سوقيّ" نسبة للسّوق وقوانينه يسلعن الفنّ ويستعمله باعتباره بضاعة ويتعامل مع المشاهد باعتباره زبونا يجب التّأثير علي عواطفه لا عقله وإغراؤه لاقتناء تلك البضاعة ... طبعا المشاهد في الظّاهر لا يدفع ملّيما نظير ما يستهلكه سوى معلوم الكهرباء ... لكنّه يدفع من وقته ووجدانه ووعيه ليكون أداة سالبة لتسويق المحتوى برفع نسب مشاهدته ورفع رصيده الاستشهاري ... بل والتّزاحم المحموم على منصّة الإعادة بمقابل يرفع نسب الأرباح لبائع المحتوي …

قد يقول القائل : بينكم وبين ما يعرض على الشاشات زرّ والقنوات تعدّ بالآلاف ولم يلزمكم أحد بأن تكونوا طرفا سالبا في استراتيجيا التّسويق والاستشهار … نعم هو منطق سليم وهو بيت القصيد … وينسحب على كلّ البضائع والمحتويات المعروضة للتّسويق الذي أصبح علما يدرس نفسيّة المستهلك المستهدف وبيئته الاجتماعيّة وذوقه ونقاط ضعفه ومواطن الرّخاوة في شخصيّته … لذلك يستثمر في لاوعيه قبل جيبه … لخلق القابليّة لديه ليكون ضمن استراتيجيا السَّلْسَلَة …

هو منطق السّوق المتوحّش الذي غزا كلّ المجالات وعلّبها ونمّطها وجعلها مادّة للإثارة والرّبح والإثراء … أمّا الفنّ فرغم كلّ ما يستحقّه من تثمين معنويّ وماديّ هو بريء من هذا المنطق " السّوقي " النّفعي للمتاجرين بالفنّ والمتستّرين بالدّراما … وله فلسفته ورسالته ومعاييره الجماليّة والقيميّة والإنسانيّة الثّابتة. …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات