طبّس كحّ !

رأيت الشّريط الذي وقع فيه تجريد أحد أبناء سيدي حسين من ملابسه وتعنيفه في الطّريق العامّ ، ثمّ الادّعاء أنّه هو من قام بالتعرّي لاستفزاز رجال الأمن قبل أن يقع الاعتراف رسميّا بالانتهاك الذي ارتكبه الأعوان الذين وقع إيقافهم والتعهّد بالتّحقيق معهم ،وذلك تحت ضغط الاستنكار الواسع والاحتجاجات ،

لكن مع ذلك وقع التّأكيد من طرف رموز السّلطة على أنّها حادثة معزولة وتجاوز فرديّ وهو ما يحتاج وقفة تأمّل :

كلّ الذين مرّوا من مراكز الإيقاف والسّجون والزنزانات قبل الثّورة وعلى امتداد عقود يعلمون أنّ التّجريد من الملابس سياسة ممنهجة وإجراء يومي عند الدّخول والخروج والزيارات وأثناء التفتيش اليومي والدّوري الفردي والجماعي وأثناء العقوبات،

" طبّس " كحّ أي خذ وضع الرّكوع عاريا مع فتح الرّجلين والسّعال هو الأجراء اليومي المعمول به والمصحوب بالإهانة والتّعنيف لمن يتمنّع ويستحي من ذلك، في الأصل يقع إخضاع الموقوف أو السّجين الخطير أو المشتبه به لهذا الإجراء الخاصّ تحسّبا لإخفاء ممنوعات في مناطق خاصّة من جسده " مخدرات موس حلاقة " لكنّه تحوّل إلى إجراء روتيني تتعرض فيه كلّ الأجساد للتّعرية اليوميّة أو التعرية العقابيّة.

كنت شاهد عيان على المئات من عمليّات التعرية الفرديّة والجماعيّة البشعة التي يكون القصد منها التّنكيل والإهانة وتثبيت موقع التفوّق السَلطويّ وضرب قيم الحشمة والحياء واستهداف الأشخاص في حميميتهم وتكسير أنفتهم والعبث بكرامتهم،

لم تكن تجاوزات أفراد ولا ممارسات عابرة، بل كانت تقاليد راسخة ضمن توصيات وتعليمات من أعلى سلطة قرار في إدارة السّجون ، بل عمدت عدد من السّجون إلى منع ارتداء التبّان الطّويل للاغتسال ومنع استعمال الفوطة لتغيير الملابس، وصادرت هذه الأشياء وعاقبت من يستعملها وفرضت التبّان القصير slipفي الدوش والتعرّي لتغيير الملابس، بل عمدت إلى حشر موقوفين عراة في مكاتب بحث وتعذيب وجمعتهم بأفراد عائلاتهم بعد تعريتهم جميعا لإذلالهم وتهديدهم لاقتلاع اعتراف ، وتواصل هذا الإجراء في زنزانات السجون كشكل من أشكال العقوبة والتّنكيل والتّدمير النّفسي.

كان الأعوان الذين يُخضِعون ضحاياهم لهذا الطّقس يمارسونه بساديّة وشكل من اشكال إثبات الفحولة والتسلّط، ولم تتقلّص هذه الممارسات على امتداد عقود السّجون ومراكز الإيقاف، بل بقيت متواصلة بعد الثّورة مستفيدة من القطاعويّة المقيتة التي تتستّر على هذه الممارسات وتسهّل على مرتكبيها الإفلات من المحاسبة والعقوبة …

تنقية المؤسّسة الأمنيّة من هذه الانتهاكات المخلّة بكرامة الإنسان وحرمته الجسديّة يحتاج ثورة قيم داخل هذه المؤسّسة بكلّ أسلاكها وإعادة بناء فلسفة أمنيّة جديدة تخفّف من حدّة التوتر بين الأمن والشّعب وتجسّر الهوّة بينهما وتعيد بناء جسور الثّقة من أجل إرساء أمن جمهوريّ في خدمة الشّعب.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات