تونس والتشيّع والفصل السّادس

Photo

كلّما طرح موضوع التشيّع في تونس أثار جدلا داخل الطّبقة العامّة من الفاعلين الميدانيين المؤثّرين في الشّان العام، جزء من هذا الجدل مدفوع بخلفيّات مذهبيّة مقابلة تستصحب الجدال الكلامي المذهبي الوسيط " نواصب روافض " وقد خفت نبرة هذا الطّابع المتشنّج من الجدل بفعل تراجع الحضور السّلفي الذي يناصب " الرّوافض " عداء لا حدّ له ، لكن الطّابع الأبرز للجدل ليس مذهبيّا بقدر ما هو سياسي استراتيجي ، حيث يخشى تيّار واسع من الفاعلين التّونسيين من مصير مشابه لما حدث في بغداد ودمشق وصنعاء ومن قبلها بيروت والكويت والبحرين وكلّ المجتمعات والدّول التي تخترقها إيران في إطار تعزيز مشروعها القومي التوسّعي،

تونس ليست خارج دائرة نوايا إيران وأهدافها وأطماعها التوسّعيّة، والتشيّع العقائدي فضلا عن طابعه السّياسي منشأ وتطوّرا والعلاقة العضويّة بينه وبين الاصطفافات السياسيّة قديما، فهو اليوم إطار وظيفيّ يستعمل غطاء للأجندات السياسيّة الاقليميّة، تشيّع عقادي وتشيّع سياسيّ يفضي أحدهما إلى الآخر وتجد حرجا في إدراجهما ضمن الفصل السّادس من الدّستور لتلبّسهما بالارتهان السّياسي والمالي لمرجعيّة غير المرجعيّة الوطنيّة، فضلا عن اشتراكهما في ترذيل الرّبيع العربي بعد أن غادر مهده حيث أصبح بزعمهم ربيعا عبريّا صهيوأمريكيّا،

لذلك ناهضت إيران الثّورات العربيّة بعد أن صفّقت لها في تونس في بدايتها ثمّ انقلبت عليها بمجرّد انتقالها إلى مجالها الحيويّ وحرصت على إيقاف عدوى الثّورات واستعملت أذرعتها التي سمّنتها طيلة عقود لتخريب هذا الحراك الثّوري عوض التّعاطي معه بإيجابيّة وتفهّم لأشواقه مهما كانت الانحرافات التي حفّت به وليست من جوهره، لذلك نعتبر خوف التّونسيين رغم التّفاوت في رصانة التّعبير عنه له ما يبرّره،

لقد تمكّنت إيران من اختراق جزء من النّخبة التّونسيّة في مجالات متعدّدة ومن مشارب متنوّعة مستفيدة من فترة ما قبل الثّورة زمن المخلوع حيث سمحت العلاقات الوديّة بين الطّرفين بالتمدّد الشيعي ببعديه المذهبي والسّياسي، وبعد الثّورة من خلال الاستعمال الوظيفي للعنوان البرّاق للمقاومة ودعم القضيّة الفلسطينيّة كحصان طروادة لاختراق المنظومة الوطنيّة مع حوافز ماديّة سخيّة مباشرة وغير مباشرة من خلال تمويل مشاريع ومراكز بحث وأحزاب وجمعيّات وأنشطة وباحثين وناشرين.

يمكن لكلّ من له معرفة سابقة بهويّة الفاعلين في الشّان العامّ في تونس أن يدرك دون عناء كبير أو خلفيّة تآمريّة استخباراتيّة حجم الاختراق والاستلحقاق والتوغّل النّاعم الذي تحقّق لإيران في العمق التّونسي رغم الضّمير الجمعي الذي يتوفّر ع الاشتباك المذهبي لى قدر من المناعة بحكم معطيات التّاريخ والعلاقة المتوتّرة مع التشيّع الإسماعيلي ودولته التي مارست القهر والتجبّر بأهل البلد وانتهى الأمر إلى طردها بشكل عنيف أفضى إلى قطع دابر التشيّع.

رغم كلّ ذلك تحاول إيران ودوائرها ومؤسساتها وأذرعتها البحث عن مواقع نفوذ وتاثير لها في تونس بحكم قيمتها الرمزيّة ونخبتها النشيطة وتقاليد العمل السياسي والنقابي والجمعويّ وفيها التي يمكن أن تجعل منها قاعدة ومنصّة لإسناد مشروعها في المنطقة.

ليس هناك واقعيّا ما يشير إلى وجود ظاهرة تشيّع عقائدي شخصيّ مندرج ضمن حريّة المعتقد وحريّة التعبّد وممارسة للشّعائر على مذهب غير المذهب الغالب لأهل البلد بشكل منفصل عن الارتهان السياسي العضوي المباشر للمرجعيّة العقائديّة السياسيّة لدولة أجنبيّة ، لذلك في تقديرنا من حقّ الرّأي العامّ والمعبّرين عنه أن يرفعوا أصواتهم للتّحذير ولفت الانتباه لهذا الخطر الدّاهم دون مصادرة حريّة الضّمير للأفراد و الانخراط في سلوك هستيري والعودة إلى مربّعات الاشتباك المذهبي الطّائفي الذي خرّب النّسيج الاجتماعي لدول وشعوب شقيقة ودون الإساءة للعلاقة بين الشّعوب التي تبقى قائمة على التواصل الحضاري والمثاقفة والالتقاء الإنساني.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات