لماذا يرفض الإعلاميّون إصلاح الإعلام؟

Photo

يخشون من أن نكون مثل تركيا ولا يرغبون في أن تكون لنا قنوات مثل الجزيرة والتلفزيون العربيّ والبي بي سي، لكي نبقى عند منحدر القناة التاسعة وتحت وطأة قناة الحوار التونسيّ ولا نطمح إلى أبعد من نفق القناة الوطنيّة، إذا هربتَ من سطحيّة ناجي الزعيري وقعت في "ضحالة" ناجي البغوري ولا نجاة لطالب النجاة من هؤلاء الجهلة الطاعمين الكاسين على موائد أباطرة المال والأعمال وكلّ شيء.. ذلك ما يريدون لنا.

الوجوه الإعلاميّة التي كانت مُلحَقة بجوقة الدعاية لنظام الفساد والاستبداد هي نفسها الوجوه التي تنتصب اليوم في "نصبات" المسموع والمرئي لتعلّمنا الشرف وتربّينا على الأخلاق وتدلّنا على الوطنيّة وتؤمّنا في العقلانية وتوزّع علينا ما تسمح لنا به من جرعات الحرية التي تخشى من فيضها علينا فلا تجود منها إلّا بمقدار. ولأنّها قد ورثت الوصاية علينا فهي لا تريد أن تريَنا إلّا ما ترى.. وليت لتلك الأشياء ما ترى.

يهيمنون على المرفق الإعلاميّ خاصِّه وعموميِّه يعرضون خدماتهم على كلّ جهة يرون فيها حليفا لهم في مصادرة حقّ الناس في أن يكون لهم إعلام يحترمهم ولا يحتقرهم.. لا يتورّعون عن مهاجمة من لا يرضيهم ولا يجعلون لإسفافهم قاعا يوقف حُرّ سقوطهم في التشويه والتدليس والتلبيس والأذى.. ويصرخون من مربط الضحية كأنّ سلاسل العالَم تشدّهم إليه وتمنعهم من الخروج منه.

انتخب الشعب نوابه في البرلمان وعهد إليهم بوضع التشريعات التي تحرّره من القيود المفروضة. وكلّما تقدّم نائب بالبرلمان أو كتلة منه بمبادرة تشريعيّة تتناقض مع مصالحهم الشخصية أو تهدّد مؤجِّريهم تراهم يستنفرون قضّهم وقضيضهم بصراخ لا نهاية له يغطّي على كلّ عقل ويحول دون كلّ فهم.. يعلو ضجيجهم لأنّهم غير قادرين على تكوين جملة حجاجية مفيدة في هدوء العاقلين..

ما هي حججهم في الاعتراض على مباردة تنقيح المرسوم 116؟

· يحتجّون بالفوضى التي يرونها مصاحبة لتحرير المرفق الإعلامي... ومثلما كانوا في أثناء الثورة يخوّفون الناس من الفوضى التي تنجرّ عن الخروج على النظام الذي كان يعطمهم ويسقيهم فهم يحتجّون اليوم على كلّ مبادرة تستهدف تحرير الإعلام بأنّ الإرهابيين سيجدون علينا سبيلا إن حُرّرت سماوات البث الإذاعيّ والتلفازيّ، وفي ذلك اعتراف ضمنيّ منهم بقدرة الإرهابيين على إنتاج خطاب مؤثّر أو مقنع أو بأنّهم هم أعجز من الإرهابيين على الإقناع بأطروحاتهم التنويرية التي تقف حاجزا أمام تدليس الإرهابيّين وتلبيسهم على الناس باسم الدين الذي يدّعون الدفاع عنه بالعنف والترويع…

هل يظنّ هؤلاء بأنّ الإرهاب ينتشر في الفضاءات العلنية المفتوحة؟ لقد قدّموا الإرهاب في صورة الخصم القادر على المجادلة والإقناع بأطروحاته تحت الشمس والحال أنّ شمس الحرية تحرق الإرهاب وتفضح داعميه وتعرّي العاملين عليه وتكشف المستفيدين منه وتبيّن تهافت خطابهم.

هم لا يريدون مناخا حرًّا مفتوحا يكشف زيف الإرهابيين الذين يتحصّنون بالظلام ليدبّروا مكائدهم ضدّ المجتمع الآمن بل يستهدفون المحافظة على مناخ الارتياب حتّى يبقى الإرهاب مختفيا في جحوره كلّما وجد فرصته أثخن فينا ليجدوا هم مجالا لأقوالهم المكرورة وتحذيراتهم المعتادة التي لو تأملتَها لفهمت أنهم يأكلون من الإرهاب كما يفعل كلّ إعلام تابع لنظام مستبدّ أو لجهة غير مقنعة كلُّ رصيدها غضُّ الطرف عن جرائم الإرهاب لتجد لها مسوّغا للبقاء ومناسبةً للصراخ..

إرهاب وظيفيّ وإعلام وظيفيّ.. كلاهما فاعل ومفعول في الآن ذاته. ويحتجّون بالأخلاق الحميدة ضدّ الإباحية التي قد تساهم في نشرها قنوات إعلامية لن يكون لها مانع للانتصاب في بلادنا.. وهم في ذلك إنّما يدغدغون المزاج الأخلاقي لدى الناس ويظهرون بمظهر حرّاس الأخلاق العامّة وأئمّة القيم الحميدة والحال أنّنا لم نر لهم عملا واحدا يستهدف صون الأخلاق أو رعاية القيم أو الدفاع عن الإنسان وحرياته...

ينسى هؤلاء أنّ الإرهاب قد تجاوز القنوات الإذاعية والتلفزيونية وجعل له مواقع الكترونية يستقطب إليها أنصاره وكذلك يفعل تجّار الإباحيّة.

الخشية أن يكون نفير هؤلاء الإعلاميين لأجل غلق مختلف الأفضية حتى أفضية التواصل الاجتماعي التي يضيقون بها ويشتكيها كلّ من لا يريد للحرية أن تتنفس خارج الباب الذي يقفون عليه حرّاسًا. تلك حججهم الصريحة التي تحكي أكاذيبهم أمّا الأسباب الحقيقية التي نراها وراء حربهم الشعواء على مبادرة تنقيح المرسوم 116 فهي:

1. مسعاهم إلى قطع الطريق على البرلمان باعتباره السلطة التشريعيّة المنتخَبة من الشعب التي يعمل النواب فيها على الدفاع عن حقوق ناخبيهم في أن يحظَوا بإعلام حرّ نزيه متنوّع لا سياج له غير سياج الدستور والقوانين المرعيّة...

يتقاطعون في ذلك مع عبير موسي وعصابتها وصلت بالانتخابات لتتولّى ترذيل المؤسسة التشريعيّة التي جاءت بها الثورة،

ويلتقون مع مكتب الاتحاد العام التونسيّ للشغل التنفيذيّ الذي صار، منذ هرب بن علي، يلعب دور الوصيّ على كلّ شيء في ثأر من الثورة وما جاءت لأجله مخافة أن تنكشف عظائم أمور لا يريدون لها أن تنكشف.. ولمّا تجرّأ ائتلاف الكرامة على المطالبة بمساءلة القيادات النقابيّة ودعاهم إلى إظهار أسرارهم التي يخفونها عن الشعب إلى العلن جعلوه في مرمى نيرانهم التي لا تتوقّف.. وجعلوا البرلمان هدفا لهجوماتهم لأنّ البرلمان يظلّ مزعجا لهم ما دام لديهم ما يسعون إلى إخفائه عن الرأي العام.

2. المحافظة على مصالحهم ومصالح مشغّليهم الذين يستعملونهم دروعا لهم يبقون بها على احتكارهم للمرفق الإعلامي لا ينافسهم فيه أحد... يحتكرون الصوت والصورة ولا يسمحون بالكلام إلّا لمن يرضون عنه ليشيد بهم ويكون جزءا من الإشهار التجاريّ الذي ينفردون به…

ومثلما تمثل المركزية النقابية صندوقا أسود يهدّد حرّاسُه كلّ من يقترب منه مخافة أن يكتشف الشعب الأهوال التي فيه، تمثّل الهيئات المحتكرة للإعلام صندوقا أسود ثانيا يجوز له ما لا يجوز لغيره.. ولا يجوز الاقتراب منه.

وإن أنت تابعت بعض ما يدوّنه الصحافيون في صفحاتهم وداخل مجموعاتهم تعرف أنّ هؤلاء الإعلاميين موزعون بين فصيلين:

فصيل الساذجين الذين لا يفهمون شيئا نتيجة ضحالة تكوينهم ومحدويدية اطلاعهم ولكنّهم يدافعون دفاعا غريزيّا عن هوية صارت لديهم في مقام الطائفة.

وفصيل المستفيدين الذين لا يدافعون عن غير "خبزتهم" التي يخشون عليها من "الطيران" إن ظهر في الميدان من ينافسهم فيها.

ويشترك هؤلاء وأولئك مع القيادات النقابية المتنفّذة في أنّم يأكلون ممّا لا ينتجون.. ومن تعوّد أكل "الخبزة الباردة" عزّ عليه أن يخرج إلى الشمس لأنّه يخشى على نفسه من الغرق في العرق.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات