حين يؤبّن عبد المجيد الشرفي هشام جعيط : غدر المروءة…

الإيديولوجيا تحاكم التفكير

تُوفّي المفكّر هشام جعيّط رحمه الله فجاء عبد المجيد الشرفي يؤبّنه.. فكان تأبينه أشبه بالتأنيب... ما صدر عن الشرفي لم يكن تأبينا إنّما كان تصفية لحساب لعلّه كان أجبن من أن يصفّيَه مع الرجل في حياته فانتهز رحيله ليسيء إليه في غيابه كما يفعل كلّ جبان لا مروءة له.. لست أبالغ في هذا الكلام وليس في ما أقول تجاوز مع رجل يستحقّ الاحترام.. فإذا كان التَّأْبينُ هو الثَّناءُ على الشَّخْصِ بَعْدَ مَوْتِه فإنّ الشرفي لم يأت للثناء على هشام جعيّط بل جاء لغير ذلك…

من ينظر في أقوال الرجل في تأبين زميله يدرك أنّ عبد المجيد الشرفي حالة نفسيّة مستعصية ولم يرقَ في يوم من الأيّام إلى أن يكون حالة فكريّة مفيدة.. سترون أنّه احتال أن يدسّ عباراته الفجّة داخل سياقات لغوية افتعلها مراعاة للمقام، ولكنّه لم يفلح في إخفاء سقوطه المروّع..

انظروا ماذا قال الشرفي في جعيّط وهو يؤبّنه عند جثمانه المسجّى:<

• أطروحتك لم تناقشها إلا سنة 1981

• في سبعينات القرن الماضي لم تكن بعدُ قد ناقشت أطروحتك ونلت هذه الرتبة العلمية.

• أنت الحسّاس والمحبّ لقرينته والمغرم بالشطرنج ؟

• بعض منتقديك يرون في انتمائك الأُسَري سببا فيما يعتبرونه تعاليا أو احتقارا.

• مهادنتك للإسلام السياسي…

ولم يكتف الشرفي بذلك، بل انتهز الفرصة ليتحدّث عن نفسه كأنّه يثبت صلته بالميّت وهو في الحقيقة يعبّر عن تفوّقه عليه كأنّه يقول له لستُ أقلَّ منك، بل أنا خير منك:

- أنا زميل في دار المعلمين العليا وعميد في كلية الآداب.

- وأنت أستاذ "طلبته ينتظرونه متى تأخّر، ولا يبالون، وقد امتدّ درسه، أن يفوتهم وقت الغداء في المطاعم الجامعية أو موعد انطلاق الحافلة، وأستاذهم لا يعترف بحدود التوقيت الإداري الذي يجمعهم به.

لست أرى في هذا الكلام غير قدح في أستاذ لم يكن يحترم وقته ولا يراعي ظروف طلبته ولا يلقي بالا للوقت في زمن يقدّس الوقت.

ولم يكتف الشرفي بذلك، فحقده أوسع من جعيّط الذي مات.. كان لا بدّ له من أن يصفّيَ حسابا ثانيا مع الإسلام السياسيّ الذي لم ينجح في الإقناع بنقده هو له فاستعان بالمتوفَّى عليه:

- بكثير من الجرأة التي تفضح ما يحرص السياسيون على إخفائه، على غرار مقالك بالفرنسية "الوصوليون وصلوا.

- "إذا كانت هذه هي النهضة فكيف يكون السقوط !"

- المزج بين السياسة والدين ظاهرة عابرة لا تأثير لها في المدى الطويل وستزول بزوال أسبابها إذا قُدّر للعرب والمسلمين أن يسلكوا مسالك الترقي.

عبد المجيد الشرفي سَقطُ الفكرة:

لست أتحدّث عن الرجل دون دراية فأنا قد قرأت له أغلب ما كتب قبل قيام الثورة خاصّة: الفكر الإسلامي في الرد على النصارى أطروحته التي نالها قبل هشام جعيّط، والإسلام بين الرسالة والتاريخ، والإسلام والحداثة، ولبنات بأجزائه الثلاثة، ومرجعيات الإسلام السياسيّ بعد الثورة.. وقرأت له مقالات وتابعت مداخلات وقرأت كتاب المرحوم محمّد الطالبي "ليطمئنّ قلبي" الذي نقده فيه بحدّة.. وقد كوّنتُ عنه فكرة تخوّل لي الحديث عنه والقول بخوائه وتهافت خطابه.

عبد المجيد الشرفي من ذلك النوع الذي إذا تكلّم رجوت سكوته لأنّه إذا تكلّم كان مؤذيًا، فإذا سمعته رأيت كيف تفرّ الأصوات من فمه فرار لأنّها تتعذّب تحت آلات التصويت التي فقدت انسجامها لديه.. حين تسمعه ترى كأنّ خصومة نشبت بين اللسان والأسنان والشفتين وكأنّ العربيّة تتأبّى أن تُنطق أصواتُها على لسانه لِما ينالها من عذاب.

عبد المجيد الشرفي أشبه ببن علي.. كان بن علي قد جعل لنفسه هيلمانا رفعه إلى مقام الرئاسة والحال أنّه كان محدودا في كلّ شيء لا يرقى إلى أن يكون رئيسا لتونس في القرن العشرين.. وكذلك هو عبد المجيد الشرفي، صنع له هيلمان مفكّر والحال أنّه سطحيّ محدود لا يقدّم من الفكر جديدا.. بل إنّ غليونه أوضح من فكرته.. ويكفيك أن تطّلع على بعض كتب المستشرقين وعلى ما كتبه المرحوم المفكّر الجزائري محمّد أركون لتعلم أنّ الرجل لصّ معرفة وليس أكثر من ذلك.

في تسعينات القرن الماضي كان الشرفي يدرّس مناظرة التبريز لشعبة العربية بكلية الآداب وقد جعل درسه مسألة عنوانها "تفسير سورة التوبة من خلال الرازي والطبريّ".. كنت أراجع الدروس في شهر أوت، وكان بين يديّ كتاب لمحمّد أركون عنوانه الفكر "الإسلامي قراءة علميّة" أستعين به لتوسيع معارفي المتعلّقة بالمسألة.. وفي الفصل الثالث منه (تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام) وبالصفحة 90 وجدت عنوانا فرعيا: (اقتراحات من أجل قراءة سورة التوبة).. ولمّا تقدّمت في القراءة وجدت أن الشرفي لا يفعل في درسه غير الأخذ عن أركون لا يضيف إليه شيئا، بل يقصر دونه.. سرقة موصوفة من ذي هيلمان رهانُه أنّ الطلبة لا يطّلعون.

وأذكر أنّني شاهدت له تعقيبا مرة على أبي يعرب المرزوقي في ندوة جمعت بينهما بثّتها قناة الجزيرة مباشر قبل الثورة فرأيت منه تفاهة وتهافتا.. كان موضوع الندوة هو العولمة في ما أذكر.. لمّا تحّدث المرزوقي عن العولمة اقترح أن يُنظر إليها استنادا إلى قوانين تُشتقّ من دراستها كمثل ما يفعل العلماء مع الظواهر الطبيعية لأجل أن يفهموها ويسيطروا عليها.. ولمّا أُذن للشرفي بالتعقيب اعترض على كلام المرزوقي بحدّة قائلا: إن العولمة ليست ظاهرة طبيعية، بل هي ظاهرة إنسانيّة ولا يمكن تناول الظواهر الإنسانية بما تُتناول به الظواهر الطبيعة.. وقد عجبت وقتها كيف لهذا الشرفي الذي لا يفهم، أن يُعَدّ مفكرّا ذا شأن ويُدعى إلى عرض أفكاره.

رحم الله هشام جعيّط كان أكبر من راثيه وأرفع مقاما وأجلّ قدرا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات