1. امتنع العدوّ عن تسليم المقاومة جثمانَ قائدها أبي إبراهيم ونشر بعد توقّف الحرب فيديو بيّنه مستلقيا على عرشه يوم وجدوه فأخذوه غنيمةَ حرب.
مشهد مشرّف، غير أنّ العدوّ بنشره للفيديو كان يروّج لنصر ظنّ أنّه قد حقّقه على الرجل الذي أعادهم بما فعله بهم إلى سؤالهم الوجوديّ. كأنّهم بوجوده على تلك الصورة قد تخلّصوا من سؤالهم في وجودهم. مادام وجودهم لا يتأكّد لهم إلّا بموته. ولقد مات فهل تخلّصوا؟
2. لم يقتلوه ولكنّهم وجدوه قتيلا. القتل يكون فعلا تامّا حين يكون عن قصد. ولكنّهم وجدوه قد سبقهم إلى موته فكأنّهم لم يقتلوه. ولو أنّهم حين المواجهة عرفوه لربّما فضّلوا إبقاءه على قيد الحياة حتّى يستعملوه كما استعملت أمريكا صورة الرئيس صدّام حسين لولا أن أنقذه من تلك الصورة موقفُه في أثناء المحاكمة ووقوفُه يوم استشهاده تلك الوقفة الأسطورية التي شهدتها الدنيا رغم أنوف قتَلته.
أبو إبراهيم استشهد في غفلة من العدوّ وما وجدوه إلّا بعد أن رتّب أمره وعرج إلى مقامه في السماء على مهل.
3. ولقد ذكرتُ بمشهده ما فعله اليهود بالمسيح. اختاروا أن ينهوا حياته بصَلبه، نَكالا كما يفعلون دوما بآيات الخير. غير أنّ رواية القرآن قالت في سورة النساء.
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) "
الآيات حِجاج. فعل اليهود ووصفوا ما فعلوا بقولهم "إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ". وجاءت رواية القرآن بتكذيب القول بنفي الفعل "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ".
اليهود وصفوا بقولهم ما فعلوه في شأن عيسى. وقد فعلوا القتل. وأثبتوا ما فعلوه بالقول. ولكن القرآن نفى الادّعاء.. نفى القتل (العمل) كما نفى الصلب (الطريقة) واستدرك على قولهم بقوله"ولكن شُبّه لهم". أنا لا أطمئنّ إلى الرأي الذي يقول إنّ عيسى قد رُفع ولا يزال على قيد الحياة ينتظر الإذن بالخروج من جديد كما تقول بعض المرويّات. لأنّني لا أرى حكمة من رفع بشر يموت كما يموت كلّ البشر. عيسى اختفى. وهل يعني الموت شيئا أكثر من اختفاء الحيّ؟ لا فرق بين الاختفاءين إلّا ما تمليه ثقافة الانتظار على الناس الذين لا يرون حلّا لحياتهم إلّا بظهور المخلّص.
4. إنّ شأن عيسى مع الذين صلبوه ليقتلوه شبيه بما فعله الذين أحرقوا إبراهيم ليقتلوه. إبراهيم أحرقوه فلم يحترق. ولكنّه مات كما يموت كلّ إنسان، وكلّ إنسان يموت. وكذلك عيسى. قتله اليهود ولكنّ فعل القتل لم يتعدّ ولم يعمل عمله فيه. اليهود لم يقتلوا عيسى ولكنّ عيسى مات كما مات إبراهيم. ولا معنى لانتظاره كما يفعل أتباع الأديان الثلاثة. الله الذي خلق الإنسان علّمه البيان لا يحتاج إلى عيسى ليظهر فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جَورا. هذا في رأيي من الخرافات التي تَسُوغُ للعقل الانتظاريّ.
5. ما يعنيني من هذه المماثلة أنّ النبوّة (إبراهيم، عيسى) إنّما هي اصطفاء ربّانيّ لتجريب الكمال الإنسانيّ بعيدا عن خطاب المعجزات. أبو إبراهيم السنوار لم يكن نبيّا ولكنّه اختار أن يكون تلميذا للأنبياء. لم ينتظر ظهور مخلّص بل اختار أن يأخذ بيده فعل الخلاص فبادر العدوّ بما ملكت يده. وأكبر ما مكلت يده إرادته.
مشهد موته الذي نشره العدوّ ليفاخر بانتصاره عليه كان عنوان هزيمة كبرى لعدوّ استعان بكلّ جيوش الأرض ليقضيَ على أبي إبراهيم وليوقف طوفانه. غير أنّ أبا إبراهيم لم يمت إلّا بعد أن وضع طوفانه على السكّة وأدار عجلة تحريرٍ رأى نفسه آية من آياته الدالّات. لقد سار يحيى على خطى إبراهيم. أحرقوه ولم يحترق، وعلى خطى عيسى قتلوه ولم يمت. فجّر الطوفان وقاده بين أهداب المستحيل ولم يمت إلّا بعد أن أتمّ دورا ورثه عنهما.. ردّ النار عن الإنسان وهدم الصليب ليُنهيَ الصلبَ.
جميع صور أبي إبراهيم التي أفرج عنها العدوّ رفعت مقامه وجعلت منه أيقونة توقد نارها من إبراهيم وتجعل من الصليب معراجها.
ومثلما وُلد المسيح حين رفعه الله على أعدائه وُلد السنوار بعد أن عرجت به شهادته إلى السماء لينتشر اسمه ما بلغ الليل والنهار.. رغم الذين يأسرون جثمانه وقد غاب عنهم أنّ روحه ترعاه وترقبهم…
ليكون بعثُ…
وتحرير قريب.
رغم الذين أسروه حيّا ويأسرونه ميْتًأ.