كيف نخرج من المأزق؟

نصّ للعقلاء فقط -

- أنت تقول لي : إنّ قيس سعيّد رجل نظيف انتخبته نسبة كبرى من الشعب وله من المشروعيّة ما به يملك الحقّ في تأويل الدستور توسيع صلاحياته وفرض ما يراه صالحا.

- وأنا أقول لك : الانتخاب ليس تفويضًا ولا معنى للقول بنظافة من لم يعمل في حياته شيئا مفيدا... ولا نظافة لمن سكت طول عمره عن الدكتاتورية ولم تُؤثَر عنه كلمة واحدة قالها في إدانة الظلم حتّى قامت الثورة على الظلم... وقد تعلّمنا من المهد أنّ الساكت على الظلم شيطان أخرس... أنا في عداد الذين انتخبوه، وقد ندمت على ما فعلت... ولو كان بوسعي سحب الوكالة منه لفعلتُ...

وإذا كان الشعب قد انتخبه لنظافته فليس من النظافة احتكار تأويل الدستور.. بل ليس له حقّ في التأويل ما دام حريصا على نظافته خاصّة بعد أن جعل له خصوما انخرط في الحرب عليهم.. التأويل تحكيم وليس من العقل ولا من العدل أن يكون الخصم هو الحكَم.. الدستور له مقاصده ومن أهم مقاصده التفريق بين السلطات.. والرئيس الذي يسعى إلى الجمع بين السلطات في يده ينتهك الدستور ويخرج من مربّع نظافته.. وكلّ تأويل منه سيكون في مصلحته ضدّ مصلحة خصومه.

- أنت تقول لي : إنّ حركة النهضة والذين معها حكموا طيلة عشر سنين انتهت إلى فشل ذريع وجب بمقتضاه إزاحتهم ليحكم الشعبَ غيرُهم.

- وأنا أقول : لا تعنيني النهضة ولا غيرها... ما يعنيني هي الحرية والديمقراطية... والنهضة حاضرة في المشهد بالانتخابات لا بالدبّابات وطريقة إزاحتها معلومة لا تكون بغير الانتخابات... وتلك الخلاصة التي ثبّتتها العشر سنوات... الشعب وحده يختار تفويض من يربد وليس لأحد أن يزعم أنّه ناطق باسم الشعب.. ثم إنّ الشعب الذي انتخب قيس سعيّد للرئاسة وهو يعرف محدود صلاحياته هو الشعب نفسُهُ الذي انتخب النهضة وغيرها للبرلمان وهو يعلم اتّساع صلاحيات البرلمان.

- أنت تقول لي : إنّ البلوكاج السياسي الذي تعيشه البلاد إنّما هو بسبب حركة النهضة التي تريد أن تفرض رأيها على الجميع بدون وجه حقّ... والنهضة هي التي انقلبت على الرئيس لمّا فشلت في ترويضه كما روّضت من كان قبله.

- وأنا أقول : هذا وهم لا وجود له خارج رأسك... البلوكاج السياسي سببه هو الرئيس الذي يمارس السياسة بعقل الطفل، فإمّا أن يخضع الجميع لرغباته وإمّا أن يتحوّل إلى قاطع الطريق بمنطق "عليّ وعلى أعدائي".. الرئيس الذي يرى جزءا من شعبه عدوًّا له لا يستحقّ أن يكون رئيسا...

ستقول كثيرا.. وسأقول أكثر "ويزد الماء زيد الدقيق".. ولن ينتهيَ بنا السجال إلى اتفاق بيننا على شيء.. حتّى على الله لن نتّفق.. لأنّك لا تثق بي ولأنّني لا أثق بك…

- فما العمل؟

- ليس لنا من الأمر شيء ... مؤسسات الدولة صارت منقسمة... والعقلاء اكتفوا بالفرجة والتزموا الصمت... ولأننا انتخبنا قيس سعيّد فنحن نسير باتجاه السيناريو الليبي أو اليمني أو السوري... حرب الكلّ ضدّ الكلّ. فهل أنت مستعدّ للدخول في الحرب؟

- ليس من عاقل يختار الحرب لحسم خلافاته…

- إذن ليس لنا من بديل عن الحرب الأهليّة غير الحوار.

- ولكن لا أحد من الطرفين يرى خطأ نفسه وصواب غيره.

- لنخرج من ثنائية الخطإ والصواب…

-كيف؟

- الحوار ينبغي أن يُترك له الخطأ والصواب... لأنّ مقياس الخطإ والصواب هو الذي أخذنا إلى حافة الحرب... لم يعد لنا من مقياس نحتكم إليه غير المصلحة الوطنية الجامعة... والحرص عليها يقتضي أن يتنازل الكل للكلّ بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب والأكثريّة والأقلّية والشرعية والمشروعيّة والمخطئ والمصيب…

إلّم يجنح الفرقاء إلى الحوار لم يبق لهم غير أن يحملوا أسلحتهم ليواجه بعضهم بعضا.. ولتدخل القوى الأجنبية لتشعل النيران في البدء بدعم هذا ضد هذا.. ثم لتقود تلك القوى حوارا بين الفرقاء في مدينة أجنبية.. وسيأتينا الأجانب بمشاريع إعادة الإعمار وينشغل الباقون على الحياة منّأ باكتشاف مقابرنا الجماعية…

- ولكنّ الحوار يحتاج إلى تحكيم بين الفرقاء، فمن نحكّم؟

- نحكّم الحكمة والعقل؟

- كيف نعرفهما؟

- بالمصلحة الوطنية... ولا مصلحة للوطن خارج الحرية والديمقراطية، فهما الطريق الموصلة إلى اكتساب المناعة التي تكون بها التنمية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Rfouga Jaz
05/02/2021 16:16
مقال رائع ليت الجميع يطلع عليه لعلى ذلك يهديهم الى الطريق الصواب