دراما وطنية لمجابهة الوباء

Photo

تخيّلوا أنّ المواطنين شغّلوا تلفزيوناتهم، في شهر رمضان، ولم يعثروا على دراما تونسيّة... ما الذي سيحدث لهم؟ الطعام يصومون عنه.. التدخين يمسك عنه المدخّنون.. وحتّى الذين يشربون الخمور يمتثل كثيرون منهم لشهر رمضان فيتركون "مياه أرواهم"…

فما الذي سيحصل للتونسيّين لو أنّهم لم يمارسوا وطنيّتهم فلم يشاهدوا الدراما الوطنية ولم يعملوا بتعاليم الإعلام التونسي الضِّلّيل، في العهد النوفمبري، التي تقول: " اللي في عينك حلا مش كان من برّا جاء"

الثابت أنّ خلَلًا في الأمزجة سيكون يفوق الأخلال التي تحصل للبدن بترك الطعام والشراب والتدخين.. وتفوق ما يفعله به فيروس كورونا لو أنّه استوطنه...

ستحلّق أرواح الصائمين بمجرّد ابتلال أمعائهم إلى هؤلاء الممثّلين الجهابذة والمخرجين العباقرة والمنتجين العظماء تعانقهم في بيوتهم تستلهم من صورهم ما تعوّض به عمّا نقصها من جمال وتنسج منهم أخيلة تسدّ بها رمق الخيال…

سيّدتي وزيرة الثقافة الموقّرة…

يا بنت حكومة الوضوح... من الوضوح أن نقول:

- إنّ الأمر لا صلة له بالدراما الوطنية التي سيستعين بها المواطنون على عبور صحراء الحجر الصحّي الطويل المملّ...

- ولا علاقة له بالحرص على إنتاج أعمال فنية يتعهّدون بها أرواحهم المعطوبة بالمعالجة الجماليّة الراقية…

- الأمر وما فيه أنّ هؤلاء العاملين بالمجال "الدرامي" من منتجين ومخرجين وممثّلين وكمبارس... جميعَ هؤلاء، وكلّا حسب قدره، لهم مصلحة "سبّوبة" في إنتاج تلك الأعمال. "سبّوبة فلوس" لا أكثر من ذلك…

سيّدتي وزيرة ثقافة الوضوح…

كثير من الناس أعمالهم معطّلهم ومشاريعهم أُفسدها قانون الحجر الصحّي.. وقد تعطّلت قطاعات بأكملها في الاقتصاد والتربية والثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي والفلاحة رغم حيويتها.. لأنّ حياة الناس أولى من كلّ شيء وصحّتهم مقدّمة على ما سواها…

سيدتي الوزيرة…

السماح لهؤلاء بالخروج لإنجاز أعمالهم لا تفسير له إلّا أنّهم فوق القانون وليسوا معنيّين بالدولة ولا بالشعب ولا بما بينهما…

ونحن نخشى أن يكون إذنك لهم تمّ تحت إكراههم إيّاك.. لأنّنا نعرف أنّ مساميرهم الصدئة هي التي تشدّ ماكينة الوزارة من ألفها إلى يائها.. وإن أنت لم تستجيبي لبرامجهم تحرّكت مساميرهم من تحتك لينهار عليك البنيان... ينهار عليك وحدك لأنّ قطاع الثقافة أجمل ما فيه أنّه منفصل عن الناس لا صلة له يحياتهم…

سيدتي الوزيرة..

هؤلاء "الفنّانون" لا صلة لهم بالشعب التونسي من قريب ولا من بعيد... ولا علاقة لهم بالإبداع أصلا... وشرح ذلك يطول... سؤال أخير…

سيدتي الوزيرة…

جيتك بجاه ربّي... هل تشاهدين أنت من تلك الأعمال شيئا؟ هل ترين لها فائدة واحدة؟ اذكري لي فائدة إن أنت وجدتِها.

ثقافة الطاعون

القطاع الثقافي كان من أكثر (القطعان)، وتحريف الجمع هنا مقصودٌ، خدمةً للاستبداد وتأبيدًا له.. بن علي لم يكن يحبّ الثقافة ولكنّه كان يحبّ العبث بالآكلين بالثقافة ويشتهي استخدامهم لمسح ما يعلق بفمه بعد الأكل، لأنه كان يعلم أنّهم من أكثر الناس طمعًا وأظهرهم جبنا وأشدّهم جشعًا…

أعرف مثقّفين هم نُسَخٌ من أشعب الثقافة العربيّة.. وفي أحسن أحوالهم هم صوَرٌ بذيئة من شخصية أبي الفتح الاسكندري التي ابتدعها أديب القرن الرابع للهجرة بديع الزمان الهمذاني لنقد مجتمعه والسخرية من سوءاته…

تراهم يتسكّعون على هامش المعارض والحفلات والندوات والمهرجانات ليفوزوا بقهوة "بلّوشي" أو بعلبة جعّة يجود بها عليهم مخدوع دخل المدينة أوّل مرّة وطمع في مشاركة المثقّفين ألعابهم بإطعامهم…

الإنتاج التلفزيونيّ من تلك (القطعان) التي استعملها بن علي ونظامه للعبث بالبلاد والسخرية من الناس.. مع هذا القطاع صار الجهل معرفة، والسطحية عمقا، والسخف طرافة، والإسفاف جرأة، والاشباه رجالا، والشبيهات نساءً.. وصارت النكرات أعلامًا على رؤوسها بذاءة وفي أذواقها رداءة وبأخلاقها دناءة.. وتفوح من أثوابها ريح مُنتِنة تسدّ منافذ الريح.. وتخنق الروح…

القطاع الثقافي في دولتنا الوطنية ما أنتج شيئا مفيدا.. أنتج أعلاما من قبيل حسن بن عثمان وإعلاميين من قبيل سمير الوافي ومثقفين من نوع أولاد مفيدة…

هؤلاء يظهرون على الشاشات وتسمعهم في الإذاعات يعظون الناس في الوطنيّة ويرشدونهم إلى الأخلاق الحميدة ويهدونهم سبل الثقافة الرشيدة…

ولهؤلاء "سبّوبة" في رمضان من كلّ سنة.. تقع عيون الناس منهم، بعد موعد الإفطار، على مشاهد من قبيل صراخ امرأة في حالة وضع يقيئون لها ما أكلوه.. فيختتمون ليلهم بترجيع الغثيان…

مثل تلك الأعمال تستحقّ أن يُكسر لأجلها الحجر الصحّي العام كما لا يُكسر لأجل جائع خرج يطلب عملا يعود منه برغيف يطعم منه عائلته…

يمكنك أن لا تجد رغيفا تفطر عليه في شهر الصيام.. ولكن ليس من المعقول أن لا يهاجمك أولاد مفيدة بعقوق مفيدة تثبيتا لصيامك وترفيها عن نفسك…

ما الذي ستفعله وزيرة الثقافة في زمن الوباء أمام حجر صحّي قد يطول يجوع منه أولاد مفيدة.. وتغضب منها مفيدة؟

سيّدتي الوزيرة..

كان الله في عونك... تستحقّين أن نكسر لك كلّ الأواني لتسيري بالركب الثقافي عند أقدام مفيدة.. وأولاد مفيدة…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات