الكرامة الإنسانية

Photo

و نكتب مرة أخرى عن الكرامة الإنسانية ، فهذا المصطلح الذي بات أثيراً لدى الإنسان العربي بعد تجربة طويلة من فقدانها في عدد كبير من بلداننا بفعل الدكتاتوريات العسكرية - الأمنية . ودون الدخول في المفهوم الفلسفي للكرامة ، نقول : كرامة الإنسان هي الحفاظ على حق الإنسان الطبيعي والمدني - الإجتماعي وبخاصة الحق بحرية إرادته .

أجل من اهم معايير الكرامة أن تفعل ما تمليه عليك ذاتك بإرادة حرة دون خرق حق أحدٍ من الناس أو الإعتداء على حق أحد ، سواءً كان الحق طبيعياً أو قانونياً ، و ان تغضب حين تحمل على فعل ما لا تريد.

وهذا تأكيد بأن هناك ترابطًاً بين الكرامة والحق والحريّة والإرادة ، ولا يمكن أبداً أن نعزل عنصراً من هذه العناصر المشكلة لبنية الكرامة ، حتى إن حرمان الكائن من أحد العناصر المكونة للكرامة لا يعني سوى الإعتداء على الإنسان قولاً واحداً. و لو توقفنا عند كل عنصر من عناصر الكرامة الإنسانية، من حيث النتائج المترتبة على سلبه لأدركنا دون عناء الأسباب العميقة لتمرد الناس و ثوراتهم .

فإن لم تُشبع حاجات الإنسان البيولوجية وتلك التي تساعده على البقاء ، والحاجات التي صارت أساسية للعيش الكريم فإن الإحساس بالمهانة البشرية يصل حد ارتكاب أنماط عنفية من السلوك ، ثم إن كل سلوك غير حر ناتج عن ضغط الحاجة لتلبيتها يقود الى ايذاء الكرامة .وكل حالة إذكاء للكرامة البشرية تولد حالة من الوعي العدواني .

فضلاً عن ذلك فإن سلب الحق بتلبية الحاجات لأي سبب من الأسباب من قبل قوة خارجية بوصفه سلباً للكرامة الإنسانية يجعل من هذه القوة الخارجية موضوعاً لثأر مؤجل .

وإذ قلنا ان ثورة الشعب السوري هي ثورة كرامة فإنما نعني ثورة ضد مالا يطاق من سلوك مناقض للإرادة ، وتحرر من ايذاء تلبية الحاجات التي خدشت الكرامة.

ولهذا فالغضب الثوري هو عمليا: غضب ممن سلب الحق الكرامة وغضب من الذات التي خنعت لهذا السلب بصور شتى و غضب حفاظا على الذات من الخنوع.

و من الطبيعي في حال صراع كهذا بين شعب ثار من أجل الحق بالكرامة وجماعة سالبة لهذا الحق أن يكون لدينا خطابان : خطاب الكرامة وخطاب الخنوع ، وإذا كان خطاب الكرامة واضحاً وصريحاً وشجاعاً ومصدر عزة لصاحبة ، فإن خطاب الخنوع متعدد الأوجه ، يختفي وراء الشعارات الزائفة و يتوارى وراء عَلمانية فقيرة متجاهلاً النداء العلماني الحقيقي الذي صدحت بها الحناجر : "الشعب يريد إسقاط النظام ." الشعب يريد تعني كل الشعب ، وباشتراك كل الشعب ، والبديل كل الشعب لا فرق بين أفراده ، وخطاب الكرامة لا ينفصل عن خطاب " الشعب يريد " . عن خطاب الإرادة الحرة والمشيئة الحرة . فيما خطاب الخنوع هو خطاب الجماعات الضيقة وعياً و انتماءً .

ومن أخطر الخطابات التي تنال من الكرامة الإنسانية تلك التي تختفي وراء الكرامة القومية الزائفة ، والكرامة القومية الزائفة هي أيديولوجيا فاقدة الإرتباط بالواقع ، بل قل أيديولوجيا قومية و ممارسة غير قومية ، ممارسة طائفية . فيكون الدفاع عن الدكتاتورية المعادية للكرامة الوطنية - القومية عبر الإتكاء على أيديولوجيا زائفة . فنحصل على خطاب معادٍ للربيع العربي وثوراته التي أعلنت الكرامة هدفاً نبيلاً وبذلت النفس من أجلها.

والحق إن الكرامة الفردية بوصفها حقاً إنسانياً لا تنفصل إطلاقاً عن الكرامة الوطنية ، والكرامة الوطنية أساس صلب للكرامة الفردية . ألا فاعلموا .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات