الموسيقى على وقع الجرائم .

Photo

لا ، لا ينتمي بوتين الليننغرادي إلى روح سان بطرس بورغ ، المنتمي إلى سان بطرس بورغ هو المنتمي إلى تاريخها الجميل ، إلى شارع النيفسكي ، إلى ساحة القصر الشتوي ، إلى أطول عمود في العالم حيث يطل منه الملاك ، إلى بوابة الضيافة وأحصنتها المحبة بالآخر ، إلى بيت الكتاب ، ومسرح الهرموني ، ومسرح جدانوف ، إلى ضفاف نهر نيفا وعشاقها ، الى روح الحب الروسي التي تفوح من أمهات روسيا ، إلى الليالي البيضاء و أعراسها، إلى بوشكين و غوغول و دوستوفسكي ، إلى المدينة الجسور التي عرفت معنى الحصار والموت والجوع ، وعرفت معنى الحرية والتحرر من الغزاة .

كان الموعد للذهاب إلى مسرح لينينغراد التاريخي يوماً مليئا بالفرح ، فالحصول على بطاقة إلى مسرح ” جدانوف ” أشبه بالجائزة ، نرتدي الزِّي الرسمي ، البزة وربطة العنق و ندخل بكل ما يليق بهيبة المكان وجماله والفن الذي سنشاهده .

تذكرت هذا حين سمعت عن الحفلة الموسيقية التي أحيتها فرقة مسرح مارينسكي في مسرح تدمر العظيم ، و من خلال عودتي للمراجع للإطلاع على هذا المسرح ، صرت أقرب إلى اليقين إنه هو ذاته مسرح ” جدانوف” حين كان اسم المدينة لينينغراد .

حين تغير اسم المدينة وعادت إلى اسمها الأصلي : سان بطرس بورغ ” أي مدينة القديس بطرس ” ، تغير اسم المسرح من اسم قائد شيوعي كان وزيراً للثقافة والدعاية زمن ستالين ، وأمين الحزب الشيوعي العام في ليننغراد إلى اسم باليه من من القرن الثامن عشر باليه مارينسكي .

كان زمان ذلك الوقت بالنسبة للروس زمان آخر ، كان الروسي سوفيتي ، و وأكثر كلمة كانت تهز وجدانه هي الحرب ، و أكثر ما يحزنه تذكر حصار ليننغراد – سان بطرس بورغ الآن .

اللينغرادي سابقاً البطرسبورغي الآن ، ابن الثقافة العريقة ، ابن المدينة الأجمل في فن العمارة ، ابن الإريميتاج القصر الشتوي الذي تحول إلى أحد أشهر المتاحف في العالم ، إن لم يكن أشهرها ، سليل بوشكين دوستوفسكي يأتي اليوم إلى تدمر عارفاً أجمل المقطوعات الموسيقية على وقع طيران بوتين الحربي وهو يقصف حلب والمدن المحاصرة الأخرى ، في تظاهره مسرحية زائفة لا تنظر الى عذابات أمهات سوريا ، كل أمهات سوريا ، وبخاصة الأمهات اللواتي فقدن أكبادهن ، وأقول جميع الأمهات دون استثناء فالأمهات هن الأمهات .

في حالة فجور أخلاقي لا مثيل له ، والموت و السواد ،يعم مدن الشام ، يرسل ابن سان بطرس بورغ الحاكم الذي يظن نفسه قيصر روسيا ، فرقة مسرح مارينسكي ، بوصفه محتلاً بلا أدنى رتوش ، كي يزيف دوره في تحطيم إرادة السورية في نيل الحرية .

فداعش التي احتلت تدمر ليست من عالم السوري الحر ، و ما لغتها بلغة الحناجر التي أعلنت هتاف الكرامة ، بل هي عدوة صريحة لأبناء الحياة و الحرية الذين ضح الكثيرون منهم في سبيل الحياة والحريّة ، ودخولها تدمر وخروجها منه في وضح النهار مسرحية هزلية لا تثير إلا السخرية . وليس الإحتفال الموسيقي الروسي إلا احتفال هو الآخر هزلي على شاكلة الحدث .

كان يمكن لفرقة مارينسكي أن تحي الحفل في تدمر على وقع حرية آلاف السجناء من طلبة الجامعات والمدارس و من المدرسين الذين زوجوا في اقبية الموت بسبب حناجرهم وأصابعهم ورغبتهم بالحرية . وعندها سيكون وقع الموسيقى على أجنحة الحرية المحلقة في سماء الوطن .

كان السوري سيحتفل بفرقة مسرح البالية السانبطرسبرغي بكل ما أوتي من فرح لو أن الموسيقا كانت على وقع فك الحصار الذي يقوم به النظام عن المدن والقرى حيث المرض والجوع ، كما فُك الحصار عن سان بطرس بورغ في الحرب العالمية الثانية .

أي موسيقا هذه التي ستصدح في مسرح تدمر على وقع القتل والحصار والجوع وقنابل الطائرات التي تنهال على السكان الآمنين .

لا ، لا ينتمي بوتين الليننغرادي إلى روح سان بطرس بورغ ، المنتمي إلى سان بطرس بورغ هو المنتمي إلى تاريخها الجميل ، إلى شارع النيفسكي ، إلى ساحة القصر الشتوي ، إلى أطول عمود في العالم حيث يطل منه الملاك ، إلى بوابة الضيافة وأحصنتها المحبة بالآخر ، إلى بيت الكتاب ، ومسرح الهرموني ، ومسرح جدانوف ، إلى ضفاف نهر نيفا وعشاقها ، الى روح الحب الروسي التي تفوح من أمهات روسيا ، إلى الليالي البيضاء و أعراسها، إلى بوشكين و غوغول و دوستوفسكي ، إلى المدينة الجسور التي عرفت معنى الحصار والموت والجوع ، وعرفت معنى الحرية والتحرر من الغزاة .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات