الثورة وظهور المكبوت

Photo

يُنظر إلى الثورات -عادة- على أنها مرحلة “كشف المستور”، لدى الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والأيديولوجيين والفكريين، فضلًا عن الجمهور الكبير الذي يكشف عن انتماءاته العميقة، متحررًا من ظروف تصنع الانتماءات الزائفة. وإذا كان الأمر كذلك -وهو كذلك- فإن كشف المستور هذا سرعان ما يتحول إلى سلوك عملي، غير آخذ بالحسبان موقف الآخر ورأيه.

ولكن يجب أن نميز في المستور بين أمرين: المكبوت اللاشعوري من جهة، والمكبوت الشعوري من جهة ثانية.

أما المكبوت اللاشعوري فهو ذاك الذي يعود إلى الطفولة، بوصفها خزان الغرائز والرغبات المقموعة (على رأي فرويد)، وليس من السهل معرفتها، ولكنها حالة فردية قد تظهر في درجة العنف، والرغبة في السيطرة، والشعور بالنقص، والإحساس بالدونية والبحث عن سبل تجاوزها، والخوف، والتهور والمكبوت الجنسي.. إلخ.

فيما المكبوت الشعوري هو المكبوت الأبرز الذي يجد في الثورة المناسبةَ الأفضل لظهوره. والمكبوت الشعوري هو المواقف والآراء وزوايا الرؤيا والحب والحقد والكره والمصالح التي يكبتها الفرد أو الجماعات خوفًا من إظهارها، أو رغبة في الوصول إلى غاية ما، يكون الإظهار عقبة أمام تحقيقها، أو حياءً وخجلًا من التعبير عنها، ويُستعاض عن هذا المكبوت بالظهور الكاذب السابق عن تصميم وإرادة.

وصل القمع في النظام الدكتاتوري الذي بنته الجماعة الحاكمة في دمشق حدًا غير معقول في تاريخ البشرية؛ فآلاف الشباب من الاتجاهات اليسارية والقومية والدينية والمجتمعات المدنية قد دخلوا السجون لعقد أو لعقدين وأكثر من الزمان، فضلًا عن المئات الذين قضوا تعذيبًا: الحزب الشيوعي – رياض الترك، رابطة العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، حزب البعث العراقي، حزب البعث الديمقراطي، الاتحاد الاشتراكي – جمال الأتاسي، حركة الإخوان المسلمين، حزب التحرير الإسلامي، لجان الإحياء المدني، منتدى رياض سيف، منتدى جمال الأتاسي، ربيع دمشق، ولقد خلق هذا الوضع لدى الأغلبية خوفًا، أدى إلى كبت العداء والكره للنظام، وراح الكبت يكبر حتى تحول إلى حقد مكبوت؛ فكان انفجار الثورة انفجار المكبوت والظهور بلا خوف. كان لظهور هذا النوع من المكبوت وقع الدهشة على عيون أجهزة القمع التي اعتقدت بأن الخوف قد أمات نزعة التمرد والتأفف العلني.

وبالمقابل كان بعض الذين كبتوا انتماءاتهم لهذا النظام، خجلًا من الجمهور والحياة في وضع الخوف من الثورة، فلم يعودوا قادرين على إخفاء المكبوت الإرادي؛ فأظهروا حقدهم على الثورة، عبر خطاب فيه شكل انحراف الحلم عند فرويد، وحجتهم الوقوف ضد الأصولية، والحفاظ على الوطن من مؤامرة داخلية وخارجية، وهؤلاء جمهور من المشتغلين بالعمل الذهني الذين عبروا عن انحطاطهم الأخلاقي المزدوج: مرة بالإخفاء ومرة في الظهور، مرة بمكبوتهم ومرة بإظهار مكبوتهم.

إن الثورة بتحرير الناس من مكبوتهم الشعوري تعيد المجتمع إلى حاله الطبيعية، في التعبير العلني عن الوجود الحقيقي، حتى لو ظل بعض البشر يعيشون المكبوت الشعوري. وخطر المكبوت الشعوري أنه يتحول إلى حقد كبير جدًا، لأن الحقد إذا ما تحول إلى سلوك ثأري عصف بالهيئة الاجتماعية والروابط المعشرية.

ومن نافل القول، أن نؤكد أن لا منقذَ من الكبت الشعوري، ولا محررَ من أخطاره سوى الحرية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات