كلام عن تعريف الوطن

Photo

سأترك عامداً متعمداً أي تعريف سياسي أو اجتماعي أو فلسفي للوطن، وسأعرف الوطن تأسيساً على وعي الناس بما يعتبرونه وطناً يحقق لهم السعادة في العيش به.

لأن الذي يترك وطنه ويهاجر منه إلى وطن آخر لا يعني سوى أن المكان الذي كان يعيش به لم يعد وطناً.

الوطن في الكلمات التي يرددها الإنسان بكل بساطة هو: حق، أمان، حرية، كرامة، شعور سعيد بالانتماء.

هذه الكلمات هي تعريف الوطن بالنسبة لكل إنسان، الإنسان الذي لا يحتاج إلى كتب السياسة والقانون والعلوم الاجتماعية وخطابات الزعماء لكي يعرف ويعرّف الوطن وكل كلمة أو مفهوم ذي دلالة شعورية وليست علمية فقط. أي ان الوطن هو ما يولد لدى الإنسان الشعور بالحق والأمان والحريّة والكرامة والسعادة بالانتماء.

إذاً الوطن هو مكان سياسي جغرافي اجتماعي يولد هذه الأنماط من الشعور. وإذا كان الإنسان أي إنسان فاقداً لهذه الأنماط من الشعور فإن المكان السياسي الجغرافي الاجتماعي الذي يعيش فيه ليس وطناً.

الشعور بالحق يعني انك تتمتع بحقوق متساوية مع الجميع وأن هناك سلطة تحمي حقك وتمنع أي أحد من الاعتداء عليه، بدءً من حق الحياة الطبيعي وانتهاءً بحق الحياة المدنية والسياسية والثقافية. هذا الشعور بالحق لا يتولد إلا إذا كان تحقيق الحق أمراً واقعياً وليس مجرد خطاب مقطوع الصِّلة بالواقع.

يتولد عن تحقيق الشعور بالحق الشعور بالأمان. والشعور بالأمان تحرر من الخوف على وجودي ومصيري وغياب أية قوة سالبة للحق. الشعور بالأمان التحرر من أي قلق مترتب على إمكانية فقدان الحق. فالخوف والوطن عالمان متناقضان بالضرورة. والشعور بالحق والأمان هو الذي يخلق حقل الحرية التي لا يمكن أن تتناقض، عقلياً، مع الحق والشعور بالأمان، ولهذا فكل سلوك يتعارض مع الحق والأمان لا ينتمي إلى حقل الحرية، فكيف إذا كان السلوك من أي جهة كانت سلوكاً عدوانياً وسلباً للحق والأمان. ولهذا يمكن القول بكل اطمئنان: إن الحرية لا تقوم إلا في حقل الاعتراف بالحق، وعندها لا يكون هناك تناقض بين الأحرار وتضاد بل اختلاف في وسائل تحقيق الحق والأمان.

إذا ما تحقق الشعور بالحق والأمان والحريّة تحقق بالضرورة الشعور بالكرامة الإنسانية الشخصية. فالذات الحائزة على الحق والأمان والحرية تشعر بمكانتها داخل الوطن وبقيمتها على أنها غاية وليست أداة. والكرامة هي العيش الكريم والشعور بالعيش الكريم المتحقق بفضل تحقق الحق والأمان والحريّة.

إذا ما اجتمعت كل هذه الوقائع في مجتمع واحد بما تولده من شعور تحققت السعادة للفرد وشعر الفرد بسعادة الانتماء للوطن.

وقائلٍ يقول ولكن شعور الناس ليس واحداً داخل الوطن، وربما يختلف الشعور باختلاف درجة وعي الناس بما يريدون. هذا صحيح لكننا نكون هنا في حقل البحث عن مزيد من السعادة، ومستوىً أعلى من تحقيق الذات ومطالبها.

تدمير الوطن سلب لهذا كله أو أكثره أو بعضه. الوطن السليب هو الوطن الذي دمرت فيه الجماعة الحاكمة تلك الوقائع المؤسسة للوطن. ولهذا كل مناقشة حول الوطن تخرج عن الأمور التي ذكرت مناقشة عبثية وخبيثة ولا تكون مهجوسة بالوطن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات