الإنسان الضعيف

Photo

اعلم أن الإنسان القوي خير من الإنسان الضعيف, بل واعلم أن الإنسان الضعيف يفسد الحياة إفسادا ما بعده إفساد. وهذا متفق عليه . ما الإنسان القوي وما الإنسان الضعيف؟ وأنا استخدمت هنا (ما) للسؤال عن الماهية, تحسبا من أن ينبري جاهل في العربية لنا بالنقد, والاعتقاد بأن (ما) تستخدم لغير العاقل فقط.‏

الإنسان القوي هو الذي ينظر إلى ذاته بأنها القيمة الأعلى, وغاية الغايات, انه ذو حضور فاعل في الحياة, إيجابي، إنه الذات المليئة بالكرامة والتي ترفض أن يُستبد بها ‏أي نوع من الإستبداد. إذا كان الإنسان القوي هو هذا, وهو هذا, فإن الإنسان الضعيف هو الصورة المعكوسة لصورة الإنسان القوي, إنه أداة و وسيلة وعاجز و سلبي و خال من الكرامة ومستَبد به دون شعور بالإهانة والذل.

وإذ قلنا إن الإنسان الضعيف يفسد الحياة أيما إفساد أو إفسادا ما بعده إفساد فهذا لأن النتائج السلبية المترتبة على سلوكه أكثر من أن تعد وتحصى.‏ فالذي ينظر إلى ذاته أداة, وأداة مهما كان ثمنها غاليا أو رخيصا, فإنه لا يتوانى عن أن يقوم بعمل ضد الإنسان, أن يقوم بالعدوان بأمر من الآخر المستبد , أن يخرق القانون طمعا في مال أو منصب, ويصل حداً من الوقاحة لا مثيل له ذلك ، أنه غير مكترث بنظرة الناس إليه, ولا إلى صورته القبيحة في عيونهم.‏

وهو إذ فقد كرامته صار سلعة من أرخص السلع, فضلا عن ذلك أن الإنسان الذي فقد وعيه بذاته على أنه غاية الغايات، يصير عبدا للمال وللسلطة ولأي من يرى فيه سيده مهما كان هذا السيد وضيعا, وهذا يقوده إلى الفساد والرشوة واستخدام أي وسيلة لزيادة عبوديته للأشياء.‏

و الإنسان الضعيف عدواني تجاه الآخر, بل ويكره الآخر ولا يوفر وسيلة للطعن به ، ولهذا فالإعفاءات هم الرأسمال القاتل للطغاة والأسافل . بل هم كما وصفهم غرامشي حزام الفاشية ‏ تأمل معي الآن أيها القارئ العزيز أن يصل المجتمع حداً يتحكم به الضعفاء من كل الأصناف والذين أول ما يقومون به من فعل قتل الأقوياء والحيلولة دون ظهورهم.‏

ليس في وعي الضعفاء روح الاكتشاف والمغامرة وارتياد المجهول والكرامة بل هم أعداء لكل هذا.‏ وتزداد خطورة الضعفاء وعيهم الوضيع بالعالم الذي لا يتجاوز غريزتهم في مراحلها البدائية . ‏ بل هم غرقى في عالم من القار الأسود والعفن, وحبيسو مصالحهم الضيقة التي تدفعهم للقتل .‏ فيا أيها الأسياد, أيها الأقوياء لا تستسلموا أمام هؤلاء الضعفاء وإلا صرتم ضعفاء على شاكلتهم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات