فكرة إصلاح الماركسية

Photo

دعيت مرة إلى ندوة مع عدد من الأصدقاء حول تجديد الماركسية وذلك قبل سنوات تسع تقريبا. ولقد عثرت على جملة من الأطاريح التي قلتها آنذاك والتي مازلت أراها جديرة بالنشر والعرض.

إن أول مظهر من مظاهر أزمة التجديد في الأيديولوجيا هو ذلك التجديد الذي يسعى إلى التغيير مع الاحتفاظ باللاحقة (isme)) المذهبية)، أي أننا أمام مذهب قد قُدّ مرة واحدة وإلى الأبد.

إن المذهب، أي مذهب، إذا ما تحول إلى عقيدة جماعة ما، تحول بالضرورة إلى شكل من الوعي الديني رغم أرضيته. إذا كنا نؤمن فعلا بتقدم المعرفة الإنسانية ومناهج التفكير، فعلينا أن ننظر إلى فلسفة ماركس على أنها منهج من عدة مناهج معرفية. ومن التعصب الإعلامي أن نعطي منهجا واحدا فضل الصحة المطلقة.

وعندها يمكن إن نجعل من المنهج موضوع نقد وإثراء، وبالتالي إن الديالكتيك ليس هو الماركسية، بل هو منهج تفكير خاضع للنقد الإبستيمولوجي، أن طرق التفكير يجب أن تكون كلها حاضرة في دراستنا للعالم، للواقع، للتاريخ. فإذا بقي أحد ما مصرا على استخدام المنهج الجدلي التاريخي، فقط لدراسة جميع ظواهر المجتمع والتاريخ والفكر، فهذا يعني الوقوع في الدوغمائية بالضرورة.

وبعضهم يوافق على أن ماركس قد قدم منهجا، ولكنه منهج لا يخطئ، وأن الأخطاء إن حصلت فليس مردها إلى المنهج بل إلى الخطأ باستخدامه. وهذه أيضا نزعة خطيرة. المنهج ـ برأيي ـ هو معرفة تحولت إلى طريقة في التفكير، وكما أن المعرفة متطورة دائما ومتغيرة، وانتقال من المعروف إلى اللامعروف، فإن المنهج نفسه يغتني إلى الحد الذي قد يطيح بأساسياته.

أما على مستوى مضمون الأيديولوجيا، فإن المثلب الأساسي للوعي الماركسي العالم، وكما دللت التجربة التاريخية هو ضعف حضور فكرة الحرية في الخطاب الماركسي، والتي كانت حاضرة في فلسفة ماركس، فقد نظر إليها دائما بوصفها حرية اجتماعية فقط، وتحررا من التفاوت الطبقي الخ… ونحن، ندرك الآن، بتجربتنا، ماذا يعني غياب الحرية لدى الفرد. إن إغناء الوعي بوعي، بفكرة (ازدهار الشخصية الإنسانية) عند ماركس، التي تطورت بعده، يُعد على غاية كبيرة من الأهمية. وفي كل الأحوال فإن علينا أن نميز بين وعي أيديولوجي (ضروري لشحذ الإرادة ـ فالعلم لا يشحذ الإرادة-وتطويرالكفاح الإنساني)، والمعرفة الدقيقة العلمية السوسيولوجية.

الجانب الأول هو مهمة الحركات السياسية الساعية لشحذ الهمم بأيديولوجيا تسمح لأعضائها بالكفاح وتقديم التضحيات، وهذه تحتاج إلى جانب لا عقلاني أحيانا.

لكن المرء وهو يتأمل تلك الأيديولوجيا التي حركت الملايين من الناس في القرن العشرين كيف تقف عبر بعض الأحزاب الشيوعية إلى جانب الدكتاتوريات الفاسدة والنهب الرأسمالي البدائي للشعب السوري، وعمليات الإبادة لمئات الآلاف من الأبرياء، وتدمير المدن والقرى على رؤوس ساكنيها، إنه الموت غير الموقر ليس إلا لهكذا أيديولوجيا في عيون الناس.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات