قيس سعيد : اختياره اليوم هو امتحان اخلاقي اكثر منه امتحانا سياسيا

Photo

برغم النقائص العديدة في المرشح قيس سعيد سواء كانت ذاتية (عدم الخبرة في تسيير الدولة وعدم وضوح وعوده الانتخابية رغم تدارك الامر نسبيا البارحة) او موضوعية (افتقاده لحزام سياسي) فإن اختياره اليوم هو امتحان اخلاقي اكثر منه امتحانا سياسيا للناخب التونسي....

هو امتحان اخلاقي لان منافسه الذي يتمتع ايضا بنسبة مقبولة ومحترمة من المشروعية الشعبية وصل الى تلك المرتبة بفضل اساليب غير اخلاقية وثبت ذلك من تاريخ الرجل و الفيديوهات المسربة عن خطاب لا يليق برئيس بل حتى بمجرد مرشح عدا سوابقه الكثيرة في التهرب وتبييض الاموال ومخاتلة الرأي العام منذ 20 سنة وليس بعد الثورة فقط....

الناخب التونسي يقترع ويراقب...لم يعد هناك اي مجال لذلك الصك على بياض...ماحصل للترويكا والنداء شاهد على ذلك…

هل فهم الناخب التونسي ان وصول سعيد للدور الثاني هو رسالة لكل تونسي انه يمكن لكل مواطن تونسي مهما كان اصله وفصله ان يصل الى هكذا مرتبة....

الرجل بدا الحملة ب 50 دينارا ليترك الباقي في جيبه من اجل الحليب والخبز وباكو الكريستال.... لقد وجدت ان الرجل يشبهنا....اذكر اني لما كلفت بمهمة رسمية في الخارج اردت اصطحاب زوجتي معي...ولم يكن لدي مال فطلبت من شركة الاسفار تقسيط التذكرة....فاستغربوا..لكن بينت لهم ان المسؤول في اعلى هرم الدولة اليوم اصبح مثل عامة الناس..لا يأخذ من الدولة سوى اجرته.....

بالنسبة لي نظافة اليد والشرف والغيرة على المال العام...اهم شيء حتى من التشغيل .... كيف نختار المافيا فقط لأننا نخشى من الاسلام السياسي....

خلافاتنا مع الاسلام السياسي وهي جدية يجب ان تدار بالحوار...مع من هو مستعد لذلك...وبالحديد والنار مع كل من يرفع السلاح في وجه المجتمع....

علاقتنا بالتطرف الديني مسألة ثقافية واجتماعية على الدولة ان تديرها بحكمة وعقلانية....وبالحوار والتربية والتعليم..والقوانين المصدق عليها ديموقراطيا …تناقضاتنا الهووية تسكننا جميعا…

اعرف رموزا للحداثة يضربون زوجاتهم....وباشرت بعض ملفاتهم شخصيا في الدولة وفي المحاماة ...تماما مثل بعض الاصوليين الذين يمنعون العلم عن بناتهم..... انا اعتبر ان الدولة العلمانية هي الحضن الوحيد القادر على رعاية هذا الخلاف..والوصول به الى بر الامان....( يراجع كتاب العلمانية لعبدالوهاب المسيري) …

التونسي علماني مع صديقته وأصولي مع زوجته وابنته.... الاسلاميون اراهم علمانيون في السياسة اصوليين في العقيدة....

الم يقل انطونيو قرامشي Gramsciونيكوس بولنتزاسPoulentzas اكبر مفكري اليسار المعاصر انه يمكن ادارة الصراع على مستوى البنية الفوقية (الافكار)…

المسألة اعمق واكبر من ان تختزل في ان قيس سعيد" يصلي الصبح حاضرا"... انا مع المساواة في الميراث ...لكني اعلم ان والدتي ذات ال90 سنة ربي يفضلها....لا تقبل بهذا...(يراجع مقالي حول حرية المرأة في المفكرة القانونية على الڨوڨل)...وان هذه المسألة تدار مجتمعيا بخلاف الفهم الاصولي ...وان للمجتمع فقهه وفهمه…

ان الاسلام الفقهي يختلف جوهريا عن الاسلام الشعبي... لا يمكن ان ننعت من اختار قيس بالجاهل...ولا من اختار القروي بالفاسد.... كيمياء الثورة بصدد فعل افاعيلها بالمجتمع في الاتجاه الصحيح.... نحن مجتمع منقسم.....بل لعله مشتت الافكار...فهذا بناقوس يدق وذا بمؤذنة يصيح.... كيف السبيل الى ادارة هذا الصراع...في المدرسة والنوادي والمناظرات....بعيدا عن الاسهال الفايسبوكي..... هذا الصراع لا يدار بإلغاء هذا الطرف او ذاك....لان قرار الالغاء لا يملكه احد....

ما أعلن عنه قيس سعيد خلال الحوار التلفزي من نوايا حسنة ..كيف نترجمه الى واقع عيني عبر مشاريع قابلة للتحقيق...وتخطيط قابل للتنفيذ.....؟ كيف نجمع بين حقائقنا المختلفة في اتجاه الخلاص الجماعي؟ وفق ما يسمونه البنيويون التحليل النسقي analyse systémique ؟

اليس هذا مغزى الحديث النبوي " الحكمة ضالة المؤمن…" ؟ ومغزى الاية الكريمة " ولا يجرمنكم شنآن قوم"؟ الم يقل عابد الجابري وقبله المعتزلة والرازي والفارابي وابن حزم ان ما ينقص الاخلاق الاسلامية اهمالها لفكرة العدل والإحسان …؟

هذا ما يمكن ان اسميه بنوع من الnéologisme" الاسلام العلماني"؟ الم يكن عمر بن الخطاب علمانيا لما علق تطبيق الحدود؟… الم يكن المجمع الكنسي العالمي علمانيا لما اعتبر المسلمين مؤمنين سنة 1964 وتخلى عن اعتبارنا "ضالين"؟ (نحن لا زلنا نعتبرهم ضالين حسب تفسير حبرنا الاعظم ابن عباس لسورة الفاتحة وهو تفسير لم يرض به السيوطي في "اسباب النزول"والشاطبي في "الموافقات")… ؟

وعودا الى قيس سعيد ..جوهر حديثه ان مثل هذه المسائل جدية لكنها مؤجلة الى حين الفراغ من المشكلة الاساسية وهي مراجعة اداء الدولة…. مثل هذا الطرح عرضه ادوارد بلادور Balladur رئيس الوزراء الفرنسي في وثيقة هامة منذ 20 سنة عنوانها "اصلاح الدولة la réforme de l' état لما لاحظ ان مؤسسات الدولة لم تعد تشتغل وفق الصالح العام …وهذا ما يحصل في تونس ..

وبالفعل تحقق جزء من اهداف تلك الوثيقة في فرنسا بإصلاحات 2003 حول الحكم المحلي وتمكين البلديات من التشريع في مجال الضريبة في اتجاه التحول من الجباية الوطنية الى الجباية المحلية)…

لعل قيس سعيد لم يعبر عن ذلك تقنيا….لكن فلنأخذ بيده…في اتجاه تجسيم ذلك الهدف…عبر قوانين…واجراءات عملية….

المسلمة الاساسية لقيس سعيد: الدولة فاشلة بهكذا مؤسسات وبهكذا اسلوب حكم…وهو امر نوافقه عليه….ولا طائل من تغيير الاشخاص فقط مع المحافظة على نفس اليات الحكم….

المراقبة اللصيقة من الناخب للمنتخب….هو تلك الديموقراطية المحينة…التي لم تعد تثق في غدر الديموقراطية التمثيلية التي خلقت هذا الانفصال والقطيعة بين الناخب وممثليه…. اليات كالاستفتاء الاداري (وليس السياسي) والية المشاركة…مشاركة المجتمع المدني…كفيلتين بتحقيق هذه الغاية….

اليس هذا ما يفعله محمد مهاتير في ماليزيا؟

في كلمة اقول لأصحاب مقولة النهاية المحتومة.."ان نشعل شمعة خير من ان نلعن الظلام."…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات