محامي وموقف العميد لا يمثّلني! المسألة بسيطة يعني!

"رئيس الجمهورية له من الحنكة والتجربة والعزيمة لأنه يريد إصلاح الوضع في البلاد، ونحن نسانده في ذلك... ونحن نرى بداية الإجراءات الجريئة لإصلاح القضاء"، عميد المحامين أ.بودربالة اليوم 6 فيفري 2022. يا حِيف.. ما أعظم رسالة المحاماة.. وما أبشع سقوط من يمثّلها اليوم.

الهيئة الوطنية للمحامين.. الموقف البارد والمهادن نهايته الخراب على الجميع.. المجلس الأعلى للقضاء يضم 8 محامين وذلك بعد نضال من أجل تكريس مفهوم الشراكة في العدل، تجارب قضائية مقارنة رائدة تتضمن مجالس بدون عضوية للمحامين.. المجلس في تونس، حتى بالمنطق القطاعي البائس، مكسب للمحاماة.. هيئة المحامين قدمت مشروع للمجلس يقترح تركيبة ب51 عضوا وليس حتى 45، يعني لإنعاش ذاكرة من يزايد اليوم أن المشكل مثلا في عدد الأعضاء.. في التركيبة أيضا.. الهيئة يزعجها ترشح محامين مستقلين وتريد المحاماة ممثلة بالصفة عبر الهيئة.. مقترح.. يمكن نقاشه في هدوء.. ولكن.. البعض يغريه الهدم.

هو المجلس الأعلى للقضاء.. وليس المجلس الأعلى للقضاة.. ولكن بعض الموتورين أصحاب المواقف القطاعية المقيتة أو المتقلبة.. لا يفهمون.. يظنون أنهم يكسبون بانهيار البيت على الجميع.. ولا يعلمون أنهم أول الخاسرين.. للتذكير.. قيس يقترح مجلسا مكونا من القضاة فقط مباشرين ومتقاعدين.. مسألة التركيبة ليست مفصلا أمام أولوية الهدف وهو قضاء مستقل وناجز.. ولكن ربما هذا المعطى يحيي قليلا ضمائر من أعمتهم القطاعية والانطباعية والأيديولوجيا عن اتخاذ موقف يليق بمقامهم وشرف مهنتهم.

بعيدًا عن أصل الموقف، صرّح عميد المحامين أن الوضع الطبيعي هو أن يترأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للقضاء مستشهدا بالنموذج الفرنسي.. يؤسفني السيد العميد أن أعلمك أن ما ذكرته غير صحيح.. رئيس الجمهورية لم يعد يترأس المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا منذ تعديل دستور الجمهورية الخامسة في 23 جويلية 2008 (يعني منذ 14 عامًا) في إطار الاستجابة للمعايير الدولية لاستقلالية السلطة القضائية. والسلام.


… …

موقف عميد المحامين الداعم لحل المجلس الأعلى للقضاء باعتباره "إجراء جريء" والذي يعتبر أن رئيس الدولة يتمتع بـ "الحنكة والتجربة والعزيمة لإصلاح البلاد"، هو موقف صدر في صيغة ضمير جمع المتكلم "نحن"، والمستمع يقدّر أنه يمثل موقف كل المحامين.. احترام شخص العميد وصفته الاعتبارية، مسألة ليست موضع نقاش، ولكن أعتقد أن هذا الاحترام يجب أن لا يمنع أي محامي معارض لهذا الموقف أن يعبّر عن رفضه الصريح.. محامي وموقف العميد لا يمثّلني! المسألة بسيطة يعني!

أكبر مغالطة يقدّمها عميد المحامين، داخل الوسط المهني وللعموم، وكررها في موزاييك، أن المحامين الممثّلين في المجلس الأعلى للقضاء (وعددهم 8 في مجالس الأقضية الثلاث) "لا يمثلون المحاماة، بل يمثّلون أنفسهم فقط" وتعلته أنهم لا يخضعون لرقابة المحامين على خلاف مجلس الهيئة (عبر الجلسات العامة).. واعجبي! ألم يترشح أعضاء المجلس هؤلاء عن كوتة المحامين؟ قاموا بحملة انتخابية في الهيئة والفروع وتوجهوا للمحامين أم لمن؟ والجسم الانتخابي ممن يتمثل؟ المحامون فقط أم غيرهم؟ والنتيجة حينما يصعدون للمجلس لتمثيل المحاماة، يصبحون لا يمثلون إلا أنفسهم حسب العميد؟

أكثر تفاصيل في شرعية التمثيل؟

عدد المحامين المرسمين بجدول الناخبين في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء (عام 2016) بلغ 8361 محاميًا صوّت منهم 3098 محاميًا (في القضاء العدلي مثلا).. في النتائج، 6 من أصل 8 محامين كسبوا الانتخابات، تحصلوا على أكثر من 1000 صوت (منهم 3 محامين أكثر من 1200 صوت).. هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم؟ في انتخابات الهيئة الأخيرة (2019)، تحصل العميد على زهاء 1300 صوت، ونصف أعضاء المجلس على أقل من 1000 صوت.. هؤلاء يمثلون المحاماة (وهم يمثلونها فعلا طبق المرسوم)، لكن ممثلي المحاماة في المجلس الأعلى للقضاء لا يمثلون المحاماة ولا يمثلون إلا أنفسهم حسب العميد؟ هذا حديث الأرقام فقط في التمثيلية دون حديث المنطق في أن المحامي المنتخب في المجلس الأعلى للقضاء من المحامين هو بالضرورة ممثل للمحاماة.

مشكل العميد مع المجلس، منذ ما قبل 25 ببساطة، هو عدم تمثيلية الهيئة في تركيبة المجلس، وهو يطالب بالخصوص أن يصبح العميد بالصفة عضوا بصفة آلية في المجلس الأعلى للقضاء.. وهو موقف يعبر عن قناعة داخل هياكل المهنة يتماهى مع مشروع الهيئة السابقة للمجلس (مشروع 2015) والذي اقترح أن يقع انتخاب المحامين في المجلس الأعلى للقضاء من قبل أعضاء هيئة المحامين وليس من عموم المحامين.. وهو مقترح وقع رفضه لصالح الانتخاب المباشر للمحامين دون المرور بالهيئة.. لكن يبدو اليوم أن العميد، ومع برنامج من يسمونه رئيس الجمهورية، يرى فرصة لتطبيق مقترحه ولو على حساب المجلس نفسه والضمانات الواردة في قانون 2016.


…

على فكرة، الدفاع عن المحامين في المجلس الأعلى للقضاء بوصفهم ممثلين للمحاماة لا يعني دفاعا عن أدائهم جميعا طيلة السنوات الماضية.. المحامون في المجلس هم تعبير عن المحامين عموما، حفظ الأمانة من حفظ وخانها من خان.. بعضهم مسؤول عن ضعف أداء المجلس ومشارك في محاولات إخفاء الحقيقة وعدم المحاسبة في عديد الملفات التأديبية لحماية شبكات الفساد القضائي.. ولكن يوجد محامون، شرفوا المحاماة، وأخصّ منهم بالذكر الأستاذ علي منصور الذي رابط أمام مقر المجلس اليوم دفاعا عن استقلالية السلطة القضائية.. وتأكيد أن المحاماة بوصفها شريكة في العدل مؤتمنة بالخصوص على الحفاظ على المجلس بوصفه مكسبا ناضلت من أجله أجيال من المحامين الحقوقيين.

يحقّ للعميد بالنهاية أن يتخذ الموقف الذي يشاء.. ولكن لا يحقّ له أن يصادر تمثيلية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بقوله أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يمثلون المحاماة.. هم يمثلونني كما أنت تمثلني، وجميعكم وقع انتخابكم من المحامين المرسّمين، والتأكيد على هذه التمثيلية لا تحول دون حفظ الحق في معارضتك أو معارضتهم عن هذا الموقف أو ذاك.. تحية للمحامين في المجلس الأعلى للقضاء المدافعين عنه.. هم يؤكدون أن المحاماة على الموعد دائما.. وإن تخلّف البعض عن دوره "الطبيعي".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات