ملاحظات ورأي حول ملف صندوق الكرامة

1/جبر الضرر المادي لضحايا الاستبداد هو حق تكفله المواثيق الدولية وشرط جوهري في مسارات العدالة الانتقالية، وهو في تونس حق مكفول بنص الدستور (148 فقرة تاسعة أحكام ختامية) وقانون العدالة الانتقالية (الفصل 11) ... نقطة أساسية مهم توضيحها : جبر الضرر ليس مقابل النضال السياسي أو الحقوقي ضد الاستبداد بل هو مقابل انتهاك الدولة لحقوق الفرد (الحق في الحياة/في السلامة الجسدية/ العمل/ إلخ) ، وهو لا يشمل السياسيين المتحصلين على مناصب بل ينحصر في مواطنين ضحايا لدولة الاستبداد.

2/ هيئة الحقيقة والكرامة أعدت 18 ألف مقرر جبر ضرر مادي فردي يضم كل مقرر نسبة مائوية تقابلها قيمة نقدية (2000 دينار عن كل نقطة) ، بما يجعل أعلى تعويض مادي فردي يبلغ 200 ألف دينار، وتبلغ قيمة كل المقررات في حدود 3 مليار دينار يعني مليار دولار (للمقارنة في المغرب بلغت 98 مليون دولار، في الشيلي 3.2 مليار دولار ، الأرجنتين حوالي 3 مليار دولار).

مسألتان حول هذه النقطة:

- غموض أسانيد تحديد هيئة الحقيقة للقيمة النقدية، مع الإشارة إلى أن قانون العدالة الانتقالية يتحدث عن مراعاة إمكانيات الدولة. لماذا مثلا أعلى سقف للتعويض هو 200 ألف دينار وليس 100 أو 50 ألف دينار؟ عودة لمداولات مجلس الهيئة ضرورة لتبين أن التحديد لم يتأسس على أسانيد موضوعية ومعقولة وهادفة للتنفيذ.

- نزاهة مقررات جبر الضرر. أعتقد أن عددا هاما من المقررات تم إعدادها على سبيل المحاباة ولم تحترم المعايير المعلنة. توجد شبكة تجار باسم الضحايا عملت في الهيئة عبثت كما شاءت في هذا الملف طيلة الأيام الأخيرة (توجد شكايات ومعاينات).

3/ تمويل جبر الضرر (صندوق الكرامة) يتم عبر :

- مساهمة الدولة : 10 مليون دينار (هي أساسا نفقات تسيير).

-نسبة من عائدات قرارات التحكيم والمصالحة : لم يصدر أمر حكومي بعد يحدد هذه النسبة، ولم تستلم الدولة أصلا لليوم أي مليم من تنفيذ هذه القرارات، والدولة طعنت في عدد منها وتم إبطال أحدها، عدا أصلا القرارات نصت على استرجاع الأملاك المصادرة وهذا قد يجعل الدولة مدينة في بعض الحالات. وعليه، لا ينتظر أي تمويل بهذه الطريقة.

- الهبات والعطايا : هناك حديث عن "وعود" تمويل من منظمات دولية والأهم من بعض الدول (قطر وألمانيا وهولندا إلخ)، ولكن هذا غير ثابت ومشكوك فيه حاضرا باعتبار وجود اتفاق على فشل تجربة العدالة الانتقالية في تونس بعد 10 سنوات من الثورة (هذا معطى بالنسبة للفاعلين وليس موضع تقدير). الهدف من التمويل الدولي الموعود هو دعم إجماع محلي على العدالة الانتقالية (مثل بقية التجارب) ولكن هذه ليست حال تونس اليوم بسبب الاختلاف في الداخل حول المسار ذاته وضمنه ملف جبر الضرر (سبب تفرقة وليس وحدة وطنية. أي دولة ستورط نفسها في دعم سخي غير منتج بالنهاية؟). الانقسام المحلي حول العدالة الانتقالية أدى إلى مناخ غير محفز لتمويل صندوق الكرامة على فرض وجود استعداد دولي حقا لتوفير مليار دولار كاملة (يوجد تعويل مبالغ فيه مثلا على قطر).

4/ على قيادة حركة النهضة أن تكون شجاعة وتكف على مخاتلة جزء من قواعدها (المعنيين بجبر الضرر) والكذب على الرأي العام. يجب التمييز بين واجب الدولة في التعويض (بنص الدستور وقانون العدالة الانتقالية) ومصادر تمويل صندوق الكرامة. فلنفرض أنه لم يقع التمويل من الهبات الدولية، فهل الدولة تصبح غير ملزمة بالتعويض من الخزينة العامة للدولة؟ لا. هي ملزمة. هذا ما يقوله قانون العدالة الانتقالية ببساطة والذي يتحدث فقط عن مراعاة الدولة لإمكانياتها عند التنفيذ (الفصل 11).

استمعت اليوم لعبد الكريم الهاروني يتحدى صحفي في إذاعة إن كانت توجد عبارة "تعويض" في أي قانون، وهو يكذب. توجد عبارة "التعويض" في قانون العدالة الانتقالية. لماذا الكذب؟ ومما تخجلون؟ للأسف جبر الضرر المادي لا يهم قيادات النهضة، ولكن يهم ضحايا معدمين من اليسار والإسلاميين والحقوقيين والبسطاء الذين باتوا موضوع متاجرة ومخاتلة من الجميع.

5/ جبر الضرر المادي هو حلقة من الحلقات المترابطة لمنظومة العدالة الانتقالية الفاشلة بفشل بقية حلقاتها (كشف الحقيقة وحفظ الذاكرة/ المحاسبة/ إصلاح المؤسسات/ المصالحة). قيادة النهضة تعلم الاستحالة المادية لتمويل صندوق الكرامة والتعويض الضحايا (جلهم من الإسلاميين القاعديين الذين ظلت قيادة مونبليزير تسوفهم منذ سنوات وهم كانوا يمارسون الضغط أحيانا كالاعتصام في مقر الحزب عشية انتخابات 2019)، وهي اليوم تعمل على مشروع جديد العدالة الانتقالية باسم المصالحة (تحت إشراف الغرياني) يقوم في حقيقته على مقايضة بين التخلي عن مسار المحاسبة (الدوائر المتخصصة) مقابل ضمان جبر الضرر المادي (مع مراجعته؟)، وهي توهم الضحايا أن التعويض لهم رهين مواصلتهم الثقة في قيادة مونبليزير لمراجعة المسار (كما اوهمتهم أن قانون المصالحة زمن السبسي في صالح القضية!). حركة النهضة ترفض المحاسبة وعطلت إصلاح المؤسسات وهي اليوم تريد ضمان جبر الضرر الفردي مع تخليها عن بقية موجبات مسار العدالة الانتقالية باسم مصالحة قوامها لا مساءلة لا عقاب.

أعتقد أن الحل في ملف التعويضات يتم فيما يلي:

1- مراجعة مقررات جبر الضرر لإعادة الفرز والتدقيق ثم حصر التعويض الفردي في حالات محددة مع تخفيض القيمة النقدية للمقررات (مبلغ 3 مليار دينار ضخم جدا ويجب التقليص فيه، وحجة التمويل الدولي على صحة تحقق ذلك لا تبرر الإبقاء عليه).

2- دمج الحالات غير المعنية بجبر الضرر الفردي المالي وفق المعايير الجديدة في برامج تنمية اقتصادية محلية ضمن مشاريع جماعية، مع المحافظة على بقية أشكال التعويض (الرعاية الصحية والاجتماعية والإدماج).

الإبقاء على الصيغة الحالية بتعويضات بقيمة 3 مليار دينار، وبمقررات تشوب عدد منها شبهات المحاباة وعدم الشفافية، وفي وضع اقتصادي اجتماعي كارثي، وفي سياق سياسي يتصدر فيه ملف جبر الضرر كعنصر فرقة واحتقان، يعني الإصرار على الفشل.. والشجاعة اليوم في مراجعة مسار العدالة الانتقالية في 3 نقاط أساسية (إيجاد حل لمأزق الدوائر المتخصصة/ الصلح في ملفات الفساد المالي/مراجعة جبر الضرر الفردي المالي).. طبعا إن كنا لازلنا معنيين بعدالة انتقالية ناجزة وقابلة للتنفيذ ومنتهاها مصالحة وطنية حقيقية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات