حول بعض هدايا النهضة لخصومها السعداء

Photo

النهضة هي أكبر الأحزاب في البلاد، وأكثرها كرما: فهي تقدم من الهدايا لخصومها ما يجعلهم مدينين لها لآخر أعمارهم! بسبب تلك الهدايا، لا تنفك الغيوم تتلبد في سمائها، إلى الحد الذي لم تعد معه مهددة بعزل رئيسها من سدة المجلس فقط، وإنما إخراجها من الحكومة أيضا: مسار من الإذلال كان بالإمكان تلافيه بشيء من الحكمة لو أرادت.

لا أحد مازال بإمكانه توقع نهاية التصعيد المتبادل بين النهضة وخصومها بعد أن يتم اليوم إيداع عريضة سحب الثقة من رئيس المجلس، تلك العريضة التي يبدو أنها ستبلغ النصاب المطلوب في التصويت بعد تطورات نهاية الأسبوع. صحيح أن هذا المسار، مثل مسار إسقاط الحكومة التي أعلنت النهضة إطلاقه رسميا البارحة، سيبقى معلقا بإقناع حفنة من النواب، ولكن القطيعة أصبحت فعلية، ورسمية.

مثلما أن محاصرة النهضة أدت لتوحيدها، فإن مهاجمة الحكومة والإعلان عن إطلاق مشاورات من أجل حكومة جديدة قد وحد أحزابها الأخرى فيما بينها، بالإضافة إلى المؤلفة قلوبهم. المشهد ينقسم بصفة عمودية وباتة إذا، والنهضة لا تجد في هذه المعركة سوى حليف ثابت واحد، وهو إئتلاف الكرامة". هذا قليل جدا للإنتصار في معركة بهذا الحجم.

هل يمكن القول أخيرا أن الإئتلاف كانت خطيئة النهضة التي لن يغفرها لها أحد؟ ينبغي مراجعة كل "الأحداث" التي كان بطلها الإئتلاف منذ الحملة التشريعية حتى نفهم عمق هذه الخطيئة: كان ثمنها القطيعة مع رئيس الجمهورية، مع الإتحاد، مع الإعلام الذي كانت النهضة قد حققت فيه إختراقات، ومع كثير من المؤلفة قلوبهم الذين إرتموا اليوم في الجبهة المقابلة. في التصور العام (هنا تصبح التدقيقات الواقعية أمرا ثانويا) الإئتلاف هو الإبن المدلل للنهضة الذي يقع إرساله لإلقاء الحجارة على بيوت الجيران. طبيعي أن يكون الأب في النهاية هو من يدفع ثمن الزجاج المكسور.

في قائمة الأخطاء/الهدايا، التفصيل يطول جدا: كان ينبغي أحيانا منع الهاروني من الظهور في الإعلام وإطلاق عنجهيته بلا حساب. كان ينبغي أيضا كف الآلة الدعائية للنهضة عن هتك أعراض خصومها ومنتقديها بلا حسيب ولا رقيب. كان ينبغي مراجعة مقاييس التصنيف بين الأعداء والمنافسين، كان ينبغي وينبغي….

سيقع التركيز على التيار في المعركة التي ستفتح اليوم، حيث سيتهم أخيرا بالاصطفاف العلني مع الأعداء الوجوديين للنهضة، ولو بصفة ضمنية. يهمني من هذا "الإصطفاف" جانب أساسي: هل سيستطيع التيار لاحقا أن يمنع نفسه من الإنزلاق في مقاربة إستئصالية بعد أن تكون شهية الحلفاء الجدد (الفعليين والضمنيين) قد فتحت لما هو أبعد من عزل الغنوشي وإخراج وزراء النهضة من الحكومة. هذا منحدر خطير جدا، قد لا يستطيع التيار بمفرده إيقاف الإندفاع نحوه إن استفاق يوما على النوايا الحقيقية لبعض خصوم النهضة.

من ناحية سياسية بحتة، يعتقد التيار أن سقوط الحكومة الآن سيقضي عليه نهائيا، وهذا صحيح بنسبة كبيرة. الموضوع لم يعد ملف تضارب المصالح، بل وجود التيار نفسه. ولكن هل هذا مبرر لكل شيء؟ أصلا، هل يمكن القياس على النهضة باتباع سلوكات انتهازية مماثلة لما تتبعه هي منذ سنوات على الساحة، واعتبار الملف مغلقا نهائيا، ثم العودة إلى نهج مرسيليا فرحين مسرورين؟ اعتقادي الصميم أن نهاية التيار الحقيقية هي هذا النوع من التحالفات الإنتهازية التي ستقصي على تفرده كحزب وكتوجه قادر على التمييز بين ما يجب سياسيا وما لا يجب. سيقولون أن صراع البقاء يقتضي أحيانا أكل الجيفة، أقول لهم لماذا كنتم تلومون على الآخرين أكل الجيف إذا؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات