فئة عباس : إسناد لمشاريع الاحتلال

دخول سلطة عباس للميدان عبر مهاجمة المقاومة وتحميلها وزر الخسائر مع صمت مطبق على جرائم إسرائيل يؤكد شيئا واحدا، وهو أن حرب الكيان على غزة وصلت منتهاها دون تحقيق أي من أهدافها السياسية.

هذا مسار كلاسيكي: المستفيدون، بطريقة أو بأخرى، من الإحتلال، لهم دور يلعبونه في مرحلة ما، يستدعون إليه عندما يصل الإحتلال إلى منتهى ما يستعمله من وسائل القوة، وهذا الدور هو الفتنة. الإلتجاء إلى الفتنة هو الآخر اعتراف بالفشل الميداني، وتغيير لأساليب الحرب.

مع سلطة عباس نحن بإزاء نموذج حي عما حصل باستمرار في حركات التحرر: إعطاء امتيازات لفئة من الشعب المحتل، ذو خلفية نضالية وأخلاقية أكيدة، ولكن بعد أن يتم تحويلها إلى فئة إسناد لمشاريع الإحتلال، ثم استثمار ذلك عندما يحين المنعرج الحاسم.

هذا المنعرج تمثله هزيمة على الأرض، وتصاعد مقاومة كلية وجذرية للاحتلال لا يمكن ترويضها. هنا بالذات يحين دور فئة مثل فئة عباس. لكن هذه الفئة تكون قد فقدت كل مصداقية لها في الأثناء، بفعل تنازلات قدمتها للإحتلال وفقدت بسببها كل أخلاقية نضالية.

من دون أخلاقية ومصداقية، لا يمكن لهذه الفئة أن تغير شيئا على الأرض فعلا. لقد فات أوان ذلك تماما، ولو لم يفت لما ظهرت تلك المقاومة الجذرية ولما قويت لحد إفشال أكبر هجوم عسكري وأوسع حرب إبادة شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

قيمة المقاومة اليوم أخلاقية قبل أن تكون عسكرية. وانتصارها عبر صمودها الخارق، هو نتيجة لتلك القيمة الأخلاقية. هذا أمر لا يمكن لحكومة عباس ولفتح تداركه أبدا، فقد غدوا جزءا من الترسانة السياسية والأمنية المهزومة للإحتلال. هذه هزيمة أخلاقية لا يمكن كذلك تداركها أبدا .

هل يقيس الناس اليوم أهمية الطوفان وكيف أحيا قضية فلسطين؟

هل يقيس الناس اليوم أهمية الطوفان وكيف أحيا قضية فلسطين؟ هل يعرفون أكثر من أي وقت مضى أنها كانت تتجه للموت نهائيا قبل السابع من أكتوبر؟ هل تأكدوا بأن الطوفان كان انتفاضة خلاقة على اليأس؟ وأن المقاومة قد أحيت قضية كان الجميع، شرقا وغربا، يتآمرون على وأدها عميقا تحت تراب النسيان؟ هل نتأكد اليوم بأن الطوفان قد أحيانا مثلما أحيا المقاومة وفلسطين؟ هل بتنا نعلم بما يكفي من اليقين عمق ما سينشأ عن الطوفان في العقود القادمة؟ هل نقدّر فعلا كيف أيقظنا الطوفان من أوهام هندست وعينا منذ أزيد من قرن على الأقل؟

اعتقادي أننا لم نلمس بعد هذه التحولات بما يكفي، ذلك لو أننا لمسناها بحق لما استطعنا العودة إلى حياتنا ما قبل الطوفان أبدا. هناك عذر واحد ممكن لذلك، وهو أننا لا نركّز بما يكفي على ما يحصل، بسبب أنه عظيم وفوق طاقة استيعابنا، ولكن هذا في نفس الوقت نوع من الخذلان أقسى من كل ما سبقه. إننا بذلك نخذل الأفق العظيم الذي انفتح أمامنا بفضل الطوفان: التحرر من كل هندسة الوهم والهزيمة التي زرعت فينا طيلة قرون، وكسرِ كيانٍ جعل وجوده من كل مكاسبنا وقتية وهشة وبلا قيمة حقيقية.

يقول لك الطوفان أنا طوفانك أنت، وليست فلسطين أو غزة له إلا ذريعة ومنطلقا. لا قيمة لما يحدث إن لم تشعر به كطوفان.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Maher
19/03/2024 17:18
لو تأخر طوفان الأقصى بعض أشهر، نجاح الأمريكان في تطبيع علاقات العربية السعودية مع الكيان الصهيوني، لكانت فعلا نهاية القضية الفلسطينية وفسح المجال لصفقة القرن التي أعلن عنها اللص ترامب والتي تبيح قيام المستوطنات في أغلب الأراضي الفلسطينية المحتلة ويصبح الفلسطينيون الشعب الثاني الذي يكون ضحية الإبادة الجماعية والتهجير القصري بعد قبائل هنود الحمر، السكان الأصليون لشمال القارة الأمريكية.