20 مارس: من يحتفل ؟

مشهدية الإحتفالات والتظاهرات، على اختلاف أنواعها وسياقاتها والغايات منها، تستحق أن تفهم في حد ذاتها. يحيل كل شكل من أشكال التظاهر على طبيعة "القوى " المتظاهرة. هناك تحول لافت في تظاهرة، أو احتفالية، أنصار الرئيس اليوم: استعمال مشهدية ما قبل الثورة، مع إحالات لمشهديات مصرية ما بعد انقلاب السيسي: لم يسبق للرئيس ولا لأنصاره الاحتفال بذكرى الإستقلال سابقا على حد علمي، ولو رمزيا. الربط بين الرئيس وذكرى الاستقلال جديد، لأن الرجل شكك باستمرار، وكذلك أنصاره، في الاستقلال. (هذا موضوع طويل نكتفي هنا بخلاصاته الواضحة والبسيطة).

احتفالية اليوم هي بالبرلمان الجديد، الذي لم يجد أحدا يحتفل به، أي بتركيز "مؤسسات الاستقلال الحقيقي"، ما يعني أنه فيما عدا استغلال رمزية 20 مارس، فإن النظرة للاستقلال تبقى هي نفسها من البداية وإلى اليوم: الاستقلال هو ما سيتحقق عندما سينتصر الرئيس في "حرب التحرير". نحن الآن إذا في إحدى معارك هذا التحرير الذي يتطلب إسنادا ورفعا للمعنويات وتحشيدا.

لنأت الآن إلى احدى مشهديات اليوم: منذ 13 جانفي 2011، لم يحدث أن رفع متظاهر، أو محتفل، صورة لرئيس الجمهورية، أو لمرشح للرئاسة، خارج السياق الانتخابي. هذه عودة لافتة لمشهدية قديمة ينبغي أن تفهم بطبيعة المشاركين فيها وانتماءاتهم القديمة والمستجدة. تشكيل "المنظومة القديمة" لأكبر كتلة في برلمان الرئيس أمر يساعد هو الآخر على فهم عودة هذه المشهدية العتيقة. شيئا فشيئا، تفتك هذه القوى المشهد من أصحابه، وتتبنى الرئيس وبرنامجه، وفي اتجاه عكسي، تأخذ كل القوى الأخرى مسافتها بما فيها معظم أنصار الرئيس "الصادقين". داخل هؤلاء، لم يعد من اليسير أن تفرز أحدا من أحد.

يحيط الانتهازيون اليوم بالرئيس، ويتبنونه تماما. أنظر إلى طبيعة الموسيقى التي يصدح بها محتفلو اليوم، وانظر إلى معظم اللافتات والشعارات، ستفهم حجم رثاثة المشهد، وستفهم أن الأمور أصبحت تسير في اتجاه معاكس تماما لشعارات الرئيس. لا بد لكل منظومة من قوى اجتماعية حقيقية تستند عليها. هذا ما يحصل اليوم بالضبط في ظل ضعف العصبية الرئاسية: هناك عصبية تعرض نفسها عندما يجب، وتفتك المشهد عندما ترى أن عرض النفس لا يكفي.

من جهة أخرى، يعرف قيس سعيد والمقربون جدا منه ما يحصل، ويفهمون الرسالة جيدا، يأخذون بعض المسافات، لكنهم يعرفون أنهم يحتاجون واقعيا لهذا النوع من "الالتقاء". حجمهم وتأثيرهم أقل بكثير من المطلوب لتأسيس نظام جديد، ولو كانت أدوات الدولة فعليا (أو افتراضا) بين أيديهم. أنظر إلى حجمهم في برلمان الرئيس، وانظر إلى حجم الآخرين. ستفهم توجسهم وتوجس الرئيس من هذا البرلمان، لكن التوجس لا يكفي. لقد أفلت الأمر من بين أيديهم تماما، وأصبحوا أقلية في النظام الذي يؤسسونه، وفي حرب التحرير التي أعلنوها.

هذا يوم احتفال الآخرين…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات