الأولى مناشدة لا أخلاق فيها، فالشارع في الأصل للمواطنين يراقبون السلطة وينقدونها ويتظاهرون ضدها وصولا إلى الثورة عليها وليس لمناشدتها فذاك طحين وقوادة وغش وتزييف.
كانت عبارة عن زريبة تم شحنها بمن تم استجلابهم في الحافلات من مختلف الجهات، لكنها مع ذلك بدت ضامرة ضئيلة، أهم ما لفت الانتباه إليها، مشهد شيخ غير قادر على الوقوف بالكاد يموء "يحيا بورڨيبة" وصورة الحاكم بأمره اليوم بين يديه، تعبير كون حشود هذه الوقفة هم قوّادي كل الحقب. ومشهد ثان لقومجي حامل اعتراف أكاديمي لم يمل من المراودة على نفسه عسى أن تمن عليه سلطة الأمر الواقع بمنصب إداري يمنحه بعض ثقة في نفسه غائبة.
الوقفة الثانية لا تقل عن الأولى شذوذا، أنصار منظومة لم يتعود جمهورها على غير الهتاف للسلطة منذ حقبة "مات الملك عاش الملك" مرورا بـ "يحيا بورڨيبا" وصولا إلى "أربعطاش بعد ألفين ما ينجمها كان الزين"؛ وهاهم اليوم يهتفون بحياة صاحبة شعار "أربعطاش بعد ألفين…" التي كانت المستفيد الأكبر مما أطلقت عليه "ربيعا عبريا وعشرية سوداء" تمتعت فيها بكل أشكال الحماية لتركيع "الربيع وسنيٌه السوداء" وهللت ساعة رأت المنجنزرات تزحف والبيانات تتلى حتى فرمها المرسوم.. ومع ذلك مازالت تعطي الأوامر من زنزانتها لاستئناف الأحكام ضد خصومها الذين اشتكتهم!!!
الوقفة الثالثة بدورها لم تخل من عجائبية، اتحاد الشغل الذي تباهى ذات عشرية رخاء الثرثرة كونه "ماكينة ترحي كل من يفكر في مساءلتها"، وكانت مجرد تدوينة على الفايسبوك يخطها ناطقه الرسمي تعزل وزيرا. نراه اليوم في مسيرة لم تتجاوز بضع عشرات مذعورا من التحام مسيرة أخرى ترفع شعارات إسقاط النظام، حيث عمل كهنته على التمايز عنهم في مشهد ذليل يثير الشفقة.
الوقفة الرابعة بدورها على ما ميزها عن الثالوث المجاور من حيوية شبيبتها وجرأة شعاراتها ضد السلطة والحضور اللافت لوجوه ذات إرث نضالي إلا أنها لم تنضج بعد ولم تقطع مع التفوريخ الٱيديولوجي الكارثي المفوّت الذي فوّت على التونسيين فرص غلق قوس الاستثناء الإجرامي الذي تسرب من شقوق حرب التنافي والعبث بتضحيات دماء شهداء سبعطاش ديسمبر الزكية .
ولأني لا أخاطب إلا الكبار فإني سأتجه بخطابي إلى المناضل حمة الهمامي أصالة عن رفاقه في حزب العمال(الحزب الأقرب إليّ رغما عن تباعد الموقف والموقع طيلة العشرية الصاخبة):
حمة الهمامي المحترم؛
قرأت باهتمام جملة رسائل حوارك الأخير مع وكالة الأناضول (سأعود له في تدوينة خاصة)؛ تحدثت عن الجبهات الناجزة، قلت قطب الانقلاب، وقطب التجمع، وقطب النهضة وجبهة الخلاص. أراك اليساري الوحيد (ممن ضمتهم يوما الجبهة الشعبية التي أفقدتك وحزبك الكثير من أرصدتكم النضالية في نفوس التونسيين) الذي لم يسب أبدا حراك مواطنون ضد الانقلاب ولم تقل عنه و جبهة الخلاص كونهما "باراشوك الخوانجية" كما يهرف قومج ووطد الداخلية.
حمة المحترم؛
قلت إن القطب الغائب والذي يعمل حزب العمال على بنائه هو "القطب التقدمي الديمقراطي'. أسألك عن مضمونه ؟
بالأكيد أنت لا تتحدث عن قطب شيوعي بل تتحدث عن قطب "تقدمي ديمقراطي". دعني أسألك عن المضامين التي بموجبها تستني منها رفاقك القدامى في جبهة 18أكتوبر ؟!
لأكن معك أكثر وضوحا: ما المضامين التي تستثني "الخوانجية" من جبهة إغلاق قوس الاستثناء الإجرامي؟!
هل خذلك "الخوانجية" في حوارات 18 أكتوبر التي طبعت في كتاب يشهد على إمضائهم على مضامينها؛ أم تراك مرعوبا من عقلية الوطد التي صارت تخنق أنفاسك؟!
ها أنا أنتظر المضامين التي تعتقد أن "الخوانجية" لن يلتزموا بها في قطبك الديمقراطي التقدمي المنشود.
في انتظار ذلك أقول:
هنيئا لمنظومة الاستثناء والمراسيم بالهدية التي قدمها لها المراهقون العابثون الذين لم تجمع صفوفهم حتى مفرمة المراسيم. وها قد شهد العالم اليوم أربع مسيرات متناقضة ثلاثة منها تهتف ضد النظام. بل قل لقد شهد التونسيون والعالم أربع مسيرات تهتف لتأبيد النظام.