هات نتفاهمو…

(حديث لمن يصبرون)

الرمزيات أيضا معارك تحرر وكثيرا ما تكون المعارك الأشرس لمن امتلكوا جموحا ديكولونياليا لتحرير أوطانهم وذواتهم وعقولهم ومخاييلهم وجمالياتهم من الهيمنة والاسترقاق والاستتباع.

الشارع الرئيس الرابط بين مدينة تونس (النواة التاريخية للعاصمة التونسية) والبحر يتوسط حيا كولونيالي النشأة سمي حي النصارى (الفرنسيون الغزاة) والشارع سمي في فترة ما بشارع جول فيري أشرس غلاة فرنسا الاستعمارية زمنذاك. وضم مقر المقيم العام (مقر السفارة حاليا ) والكنيسة الكاتوليكية المكلفة بتنصير أبناء المستعمرات (المغتصبات للدقة ) وأضيف لها تمثال الكاردينال بصليبه ووجهه الملتفت لجامع الزيتونة ذات مؤتمر أفخرستي وسفارة بريطانيا إلى حدود سنوات قليلة مضت.

تظاهر في نفس المكان المثقل بالرمزيات تونسيون وقادة النضال الوطني يوم 9 أفريل 1938 يطالبون بحكومة وطنية وبرلمان تونسي … (تغيب عنها الزعيم بورقيبة).

بعد 56 غير الرئيس الحبيب بورڨيبة رحمه الله اسم الشارع الرئيس باسمه واغتنم ذات ليلة مولد نبوي شريف وأمر بانتزاع تمثال الكاردينال العنصري القائل: "إن الأجناس أو الشعوب السامية تحتاج وصاية وحماية كالشعوب البدائية المستعمٓرة"وتغييره بنصب يحمل اسم العلامة المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون القائل:"إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده". وأطلق على محيطه الفاصل بين السفارة والكنيسة الكولونيالية ساحة الاستقلال. مع أنه لم يجرؤ على طلب تغيير مقر المقيم العام الذي نزعت منه فقط "البلاكة" لتتواصل المهمة تحت "بلاكة" سفارة (التزاما بمقررات البروتوكل السري حتى هذه اللحظة).

وظل شارع بورڨيبة "وقفا" سلطويا مرعبا محافظا على أغلب رموزه وأسماء شوارعه المتفرعة (شارل ديغول/باريس/ جان جوريس)… في حين تم ركن اسم شارع الحرية بعيدا حيث انتصبت سفارة أميركا إلى أن حولت مقرها وحدها إلى مقر في الضاحية الشمالية عبارة عن قاعدة عسكرية.

تظاهر طلاب الجامعة التونسية في بداية ثمانينات القرن الماضي إسنادا لإضرابات العمال وانتفاضات الشعب الكريم (تلامذة وطلبة وعمال صف واحد في النضال) ارتقت في مدخله (من جهة شارع باريس) روح الفاضل ساسي شهيدا في سبيل الكرامة الوطنية والكبرياء الاجتماعي (ما تڨولوش الفاضل مات…).

حتى جات ملحمة سبعطاش وغص شارع بورڨيبة (قائد الجهادين والمجاهد الأكبر والرئيس مدى الحياة الذي أذله جنراله المنقلب بتزكية/صمت حزب الحاكم الذي تنتحله الزغرادة الفاشية اليوم).غص الشارع بعشرات الآلاف هتافا بشعار بنعلي ارحل (ديغاج) وحاصروا بناية الرعب الرمادية وسط رفض الجيش قتل شعبه بالرصاص….

تعدوا عشر سنين والشارع تقريبا تحت سيادة الشعب الثائر الحائر…. مد وجزر واغتيالات ودمومات زكية شرتلّة لشهداء بررة (سياسيين وجيش وأمنيين). وانتخابات متكررة مهمتها التداول على ادارة السيستام لا تغييره… لكن الثورة لم تركع للعكري العاهرة (عبارة فارجاس محامي جميلة بوحيرد) ولم تركع لخمّاراتي الأبراج الجاهل دا.يو.ث ص. هيو.ن.

جاء عام 2019 وانتخب التوانسة قيس سعيد عقابا لطبقة سياسية فاشلة… قيس سعيد بيدو راكب موجة ترذيل السياسة بما هي أحزاب وبرلمانات (عمل دورة منذ حوالي شهر مضى في شارع بورڨيبة أو شارع الثورة المحاصرة). والتحم بيه أنصاره (اللي يستنو فيه في الدورة تحت اشراف جنية القصر) يحرضونه على حل البرلمان والأحزاب وإعلان "جماهيرية" الشعب يريد…

جات كذلك انتخابات بلدية…. صعدت بموجبها دكتورة صيدلانية شيخ مدينة لأول مرة منذ نشأة بلدية الحاضرة منذ أكثر من قرن ونصف. ياخي جماعة "البلدية" (الدم الأزرق) تحفظوا عليها مش على خاطرها "خوانجية" كيما يصر المِنجي ورفقاتو. بل لكونها "مرا" وزيد "أفاقية ڨعرة من الجنوب" حتى لو كان باباها وجدها ولدا بالعاصيمة…

برة يا مرحوم الوالدين الأيام هذي تكفلت بلدية العاصيمة بإعادة تهيئة ساحة الاستقلال والتمثال… وعينك ما تشوف إلا النور… أخطاء فضائحية في الرخامة التخليدية وزادوها هذه الأيام حماقة أخرى ساعة عمدوا إلى تغيير اسم الساحة من الاستقلال إلى ساحة ابن خلدون في جهل مركب بطبيعة المعارك ورمزياتها اللي حكيتلكم عليها أعلاه.

وزد عالنافس تطياب ريحتها. هاوكة اليوم مسيرة جماعة المِنجي وكويريات التمويلات البرانية يعمدون على شطب بورڨيبة وسب البوليسية (لن أدافع عن بورڨيبة فهو لا يحتاج ذلك مني. ولن أستنكر سباب البوليس رغم ايهام نفسي بأيديولوجيا الأمن الجمهوري وأنا أتابع قتل شاب في مدينة صفاقس اهمالا اجراميا لحق شاب مريض موقوف في جرعة أنسولين بوفرنك ومنذ أيام شاب في سوسة يفقدونه احدى خصيتيه تحت التعذيب والنقابجات المسلحة راسها يسد: أقتل فشح سب وعليك أمان الله مادام رئيس الحكومة ووزير السلاح في الآن نفسه بالع لسانو ولابس مرايات موشي ديان. والبرلمان مبلّع فمّو مركّز فقط مع The Terminator المريخي!!! !!! ).

لكني سأحتج علاش شطبوا بلاكة بورڨيبة العربية وكتبوا فوقها سباب البوليسية بالڨاوري مش بالعربي. آه نسيت اللي موضة ال.كو.ير.يا.ت وما جاورهن من اليسار المتحول (الفرداني) يصرفون من صناديق أجندات تتكلم بالڨاوري مش بالقالة وإلا بالڨالة متاع النضال الاجتماعي السيادي المحلي المعتّر.

فايقين بيكم الكل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات