نفس الجامعة الأمريكيّة التي أقامت الدّنيا ولم تقعدها أثناء حرب أمريكا على الفيتنام سنة ثمانٍ وستّين وتسعمائة وألف، نفس الجامعة التي فرضت باحتجاجاتها على دولتها الباغية إنهاء تلك الحرب الوحشيّة… تتحرّك اليوم رغم القمع الأمنيّ بهيئة تدريسها وطلّابها من أجل وقف العدوان البربريّ الصّهيونيّ المدعوم أمريكيّا بشتّى الوسائل والأدوات على شعب غزّة الأعزل أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا، مرضى وأصحّاء في سابقة لا أخلاقيّة تجنَّب كثيرا منها متصارعو الحرب العالميّة الأولى التي تفصلنا عنها أكثر من مائة سنة من عمرالبشريّة التي تتحدّث اليومَ مِلء شِدقيْها عن تشبّعها بالمدنيّة والحرّيّة والكرامة وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من مقولات أدرك زيفَها العميانُ فما بالُك بالمبصرين !
البذورُ تختفي في التّراب حتّى إذا أصابها القَطر "اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج" إلّا في أرض العرب، فإنّها تفقد خصوبتها فلا ينهض بها فوق أديم الأرض ماء الدّنيا والآخرة.
جامعاتنا التّونسيّة المخصيّةُ منذ عقود الفاقدةُ ألَقَ العلم والمعرفة من جهة، وجذوةَ النّضال من أجل قضايا الدّاخل والخارج من جهة أخرى، بلعت لسانها منذ عرفت "عرس الطّالب الجديد"، ومنذ عمّرها طلبة "الڨالاوات" والعلاقات المحرّمة بين الجنسيْن إلّا من أتى فضاءَ يومه وليله بقلب سليم، ومنذ تسلّل إليها أساتذة أشدّ فراغا من الفراغ وأشدّ بعدا عن مواصفات "المثقّف العضويّ" الغرامشيّ، فلا عِلمَ يُضيف، ولا وعيَ بما يُحيط يرود هذه المؤسّسة إلى دورها الاجتماعيّ العظيم الذي لعبته ردحا طويلا من زمنها المنحدر إلى حتْفه ككلّ المؤسّسات !