"وجدت أنّ القـادة العـرب يحبّون المديح"

عدتُ إلى ما قرأت من كتبٍ منذ بدأت أقترف "جريمة" القراءة المُذهبة لراحة البال المُقِضّة للمَضجع أستعيد ما حصّلتُ حول مآثر كرَم العرب وتجلّياته أواجهُه بما شاهدتُ من صوَر استقبال الرّئيس الأمريكيّ ترامب في بلدان الخليج العربيّ الثّلاثة التي زارها منذ أيّام قليلة فما وجدت الكرَم مفسِّرا لما رأيتُ وشاهدتُ وتابعتُ بقلبٍ دامٍ قبل العينِ الدّامعةِ.

هرعتُ إلى ما كان قد وقع بين يديّ من كتُب علمِ النّفسِ حتّى هذه المحطّةِ من العمر فاطمأنّ قلبي لتفسير ما رأيتُ وسمعتُ:

قادةُ دولٍ تنام على أنهارٍ من بترولٍ ممزوج بأطنان من مذلّةٍ وهوانٍ وانعدامِ سيادةٍ تطفح وجوهُهم خوفًا وهوانًا تحاول أن تُخفيهما ضحكاتٌ صفراءُ مصطنَعٌ أغلبُها يقف أصحابُها بخنوع لا يخفى على مُبصر على أرضهم وفي قصورهم الباذخة وناقلاتِهم الفارهةِ ومجالسهم الرّسميّةِ الوثيرةِ ووسط شعوبهم المجبولةِ على الطّاعة الواصلة حدَّ التّأليهِ أمام رجُل انتهازيّ نفعيّ براغماتيّ عشِق المال وكدّسه بجنون قبل أن يدخل غمار السّياسة.

مشهد أليمٌ مؤلمُ تسابقَ فيه "المضيِّفون" إلى عطاء سخيّ يعيدك ويُعيدني إلى "أعطِهِ ألفٓ ناقةٍ" التي انبنى عليها تاريخُنا الهشُّ الذي ظللنا معه وبه في ذيْل قائمة الأمم فعلا وقولا وإنجازا وسيادةً…

بربّكم ألمْ تروْا مثلي الرّجلَ "الضّيف" أكثر راحة وارتياحا وأشدّ طلاقةَ لسانٍ بل وقاحةً وإهانةً ل"مضيِّفيه" في عُقر ديارهم كما تقول العربُ؟! ألمْ تسمعوا كيف حدّد بنفسه ما يجب أن يعود به من هِباتٍ مِدرارة وصفقاتٍ جبّارة تزيل بطالة ملايين الأمريكان وتغطّي مصاريف بايدن على الحرب الأوكرانيّة الرّوسيّة؟!

ألمْ تتابعوا تصريحاته واقفا على الأرض وطائرا في السّماء كيف فاضت بنرجسيّة وخُيلاء وتأكيد على التزامه والتزام بلاده الأبديّ تجاه الكيان الصّهيونيّ الذي أوشكت طائراتُ هذا الزّائر اللّعين أن تسوّيَ غزّة بالأرض زمنَ تجواله الباذخ بين هذه الدّول العربيّة الثّريّة التي استعطفه، كما صرّح للصّحافة، زعيمُ أشدِّها انشغالا بشعب غزّة ومآسيه المتصاعدة كَمّا وكيفًا أن يتدخّل ليوقفَ المهزلةَ الإنسانيّة التي ازدادت وتيرتُها أيّامَ حضوره قريبا منها معزَّزا مكرَّما بل آمرًا ناهيًا صائلًا جائلًا…

قد يكفيك قارئي الكريمَ من هذا النّصيص ما خلّفه ترامب من حديث لوسائل الإعلام عقِب هذه الزّيارة الحاصدة: "نحن ندافع عنهم لذلك هم يردّون لنا المعروف"... "وجدت أنّ القـادة العـرب يحبّون المديح فما كان مّني إلّا أن أُغـدق عليهم بعبارات الثّناء!" لتشاركني ألمًا موجعا كلَّ الوجع يمتدّ "كبقعة زيتٍ" من "البحر إلى النّهر" !

رحم الله الشّاعر نزار قباني صاحب عبارة:

لولا العباءاتُ التي اُلتفّوا بها
ما كنتُ أحسبُ أنّهم أعرابُ

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات