الانكسار حصل…وستكون ردّة الفعل محاولة لجبره والتخفيف من تداعياته لا أكثر..

لو كان عند مجلس الأمن تقدير بأنّ الكيان مهدّد في وجوده في هذه العملية الجارية لبادر بعقد جلسة يعلن فيها وقف إطلاق النار. إدانة القوى الدولية المتحكمة به لعملية المقاومة النوعية تأتي في هذا السياق. ومنه الموقف العام لما يسمى بالمجتمع الدولي، والذي يرى في الكيان دولة شرعية وفي المقاومة عملا عدوانيا. ويأسف من كل قلبه إذا كان المقاومة وشعبها ضحية العدوان المباشر والإرهاب اليومي.

وفي تأخّره عن هذا القرار انتظار لبناء تقدير واضح عن الوضع الميداني من خلال المواجهة الدائرة ومآلاتها وإعطاء فرصة لجيش الكيان لاسترداد أنفاسه وتمكينه من ردّ فعل انتقامي بعيد عن المواجهة المباشرة التي فرض شروطها المقاومون، وإفساح المجال لإمكانية مواجهة تقليدية يتجنّب فيها الانجرار إلى شروط المعركة كما تراها المقاومة.

ومع ذلك، فإنّ قوة العملية وتفوّق العقل الذي وراءها، من ناحية، وحصيلة القتلى والأسرى، من ناحية أخرى، لن تمكّن الاحتلال من أن ينفّذ انتقامه مثلما كان يفعل. ويصبّ رصاصه كما يحلو له. وعليه لن يفكر في الهجوم البرّي، وأقصى ما سيصل إليه هو محاولة الإيهام بالصورة التي بناها أمام المستوطنين (نعتبر كل الكيان مستوطنة) وأمام حلفائه الدوليين. ولن يفلح هذه المرة فقد كانت الضربة أكثر من قاصمة وحطمت صورة صارت غير قابلة للترميم. وسيكون لورقة الأسرى من جنوده وضباطه ومستوطنيه وقتلاه وعددهم الكبير دور حاسم في تقهقره، بل واضطراره إلى إخلاء الآلاف من أسرى المقاومة.

ولذلك فإنّ الكيان لن يخاطر بمواصلة معركة خسر جولتها الأولى بالضربة القاضية، وكان، وهذا هو الأهمّ، عدوه هو من بدأها. ولا بدّ أنه استعد لها كل الاستعداد. ولا يمكن لأداء المقاومة المذهل اليوم إلاّ يردعه ويخيفه ويدفعه إلى إنهاء الاشتباك، فهو الأحوج إلى الوقت واسترداد الانفاس. وهذا ما سيجعل من انتقامه فظيعا من أهلنا في عزّة، رغم يقيننا بأنّ انتقامه بلا جدوى ولا يساهم في رأب انكساره، الذي لم يعهده لا في 73، ولا في 2006.

المقاومة في وضع جيّد…فالانتصار تحقق وهو انتصار نوعي. ولئن عُدّ بحساب اللحظة جزئيا فهو بحساب المستقبل استراتيجي.

وسنسعد بمواقف الدول ومنها دول نظام الاستبداد العربي العتيد. وللخطاب الذي تصاغ به هذه المواقف دور في تعرية حقيقتها. لأنّ في مثل هذه الحالات يصعب التغطية على الموقف الفعلي بالحذلقة الديبلوماسية وصيغها التعبيرية الجاهزة.

البيان المستحيل

هناك انتظار لبيان السلطة في تونس من عملية "طوفان الأقصى". وهي التي ترفع شعار "التطبيع خيانة عظمى". والمفروض أن يكون سقفا سياسيا لدبلوماسيتها وسياستها الخارجية في الموضوع الفلسطيني. فتكون بذلك أكثر المبتهجين بالاجتياح المذهل الذي حققته المقاومة اليوم باعتباره استهدافا لفكرة التطبيع في أصولها وفروعها.

قناعتنا أنّه لا يمكن أن يكون مع فلسطين من ينقلب على الديمقراطية ويطيح بكل مؤسساتها الدستورية بالقوة العارية لا بالانتخابات الحرة، ويعيد إرساء نظام الاستبداد والحكم الفردي المطلق ويجرّف الحريات الخاصة والعامة ويعتقل معارضيه.

لا يمكن أن يكون مع الثورة من يناهض شعاريْها الرئيسيين اللذين رفعا في شارع الثورة يوم هروب بن علي: الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد تحرير فلسطين. في ربط بديع بين مهمة إسقاط الاستبداد وإنهاء الاحتلال.

لأن الاستبداد والاحتلال هما العاملان اللذان منعا المجال العربي من أن يبني كيانه السياسي على غرار المجالين الجارين التركي والإيراني.

وعلى أساس المواطنة كان منّا تمييز منذ 2010 بين المقاومة العضوية (حماس) والمقاومة الوظيفية (حزب الله)، وإن تقاطعت تحالفاتهما الإقليمية والدولية (العلاقة بإيران قبل الربيع وبعده، على سبيل المثال)

وتأكّد هذا التمييز في اختلافهما من الربيع، وهو اختلاف حول الموقف من نظام الاستبداد العربي. وتميّزت المقاومة العضوية (تشمل المقاومة في فلسطين وحركة استعادة الديمقراطية في المجال العربي)، بانتصارها لمسار بناء الديمقراطية، في حين انتصرت المقاومة الوظيفية لنظام الاستبداد في المطب السوري.

وأساس التباين والتخارج بينهما أنّه لا يحرّر المجال العربي من الاحتلال الخارجي (الكيان) والاستعمار الداخلي (الاستبداد) إلا الإنسان الحرّ كامل المواطنة. وهذا هو مضمون الربط بين المقاومة والمواطنة، والخلاصة التي ثبّتها الربيع المغدور .

وعليه فإنّه لا مصداقية للبيان المنتظر المساند لفلسطين وحق العودة والتحرير إلا إذا أعلن إنهاء حالة الانقلاب على الدستور والديمقراطية، وإرجاع الكلمة لصاحب العهدة وهو الشعب ليختار بحرية. والتزام الجميع بما يسفر عنه هذا الاختيار، بعد توفير كل شروطه.

هذا طبعا لن يكون، ولذلك اعتبرناه بيانا مستحيلا.

مازال الحق الفلسطيني موضوعا للمزايدة، وقد يتكافأ فيه حماس أنصار الاستبداد وأنصار الحرية والديمقراطية. وهذه الحقيقة لازمت السياسة بأحزابها ومنظماتها وأنظمتها في المجال العربي، لأنّه لم تتوفر بعد الشروط السياسية والذهنية التي تجعل مناهض التعدد والحرية والحداثة السياسية والعيش المشترك عاجزا عن الجمع في خطابه بين الاستبداد ومناصرة القضايا العادلة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات