كأنّ العجز عن مجابهة خطر التصريحات المعلنة مدعاةٌ للاحتفاء بالتسريبات

لم أكن أرغب في إبداء رأيي في موضوع التسريبات لتفاهته (من وجهة نظري) وليس لموقف أخلاقوي أو لغفلة عن أنّ الحرب خدعة. فضلا عن أنّي لا أرى نفسي إلاّ في معركة واحدة هي معركة ديمقراطية/استبداد التي أعادتنا إليها الشعبوية والفاشية وما جاورهما من وظيفية ذليلة.

وتفاهة التسريبات في أنّها أقلّ بكثير من تصريحات مُعلنة وموثّقة من الشخصيّات نفسها. تصريحات بصفحة رئاسة الجمهورية وصفحات وسائل الإعلام في المواقع الاجتماعية تستهدف الديمقراطية والدستور وتحرّض على الانقلاب على الاختيار الشعبي الحرّ وتحوّل مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى غرفة مظلمة. فكأنّ العجز عن مجابهة خطر التصريحات المعلنة مدعاةٌ للاحتفاء بالتسريبات.

ومنها إصرار رئيس الجمهورية على خرق صريح الدستور وتعطيل السير الطبيعي لمؤسسات الدولة والتحرّش بالمؤسستين الأمنية والعسكرية وجرّهما إلى تجاذبات السياسة ورهانات السلطة بعيدا عن مهمّة حماية الدولة وواجب رعاية السلم الأهلي ومسار بناء الديمقراطية.

ومنها دعوة محمد عبو رئيس الجمهورية إلى تحريك الجيش والانقلاب على النظام السياسي المقرر بالدستور وعلى نتائج الانتخابات واعتقال الخصوم السياسيين بدعوى محاربة الفساد.

ومنها دعوة محمّد عمّار إلى التأسّي بتجربة محمد بن سلمان بنصب خيام لرجال الأعمال وحلفائهم من الساسة الفاسدين في ثكنة العوينة.

وحتّى فيما تعلّق بموقف حزب التيار الفعلي من قلب تونس فإنّ تصريحات محمد عمار في التسريب لا تضيف جديدا إلى ما كان ذكره محمّد عبّو في قناة التاسعة ودعوته رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة، إلى تشريك قلب تونس في الحكومة والاستغناء عن النهضة.

ما سُمّي بالتسريبات أشبه باقتحام باب مفتوح، ويكفيه رثاثة أنّه صادر عن راشد الخياري. وممّا يثير الشفقة أنّ كثيرا ممّن تحمّسوا للتسريبات وتبنّوها في معاركهم السياسية المحتدمة دون تحفّظ على "تردّيها الأخلاقي" واستهجان "نقد الاحتفاء بها" قابلون لتغيير موقفهم منها لو ذمّها قياديوهم.

وممّا يثير السخرية ومشاعر الازدراء أنّ من احتفى بالتسريبات عن نبيل القروي بالأمس يستنكر اليوم تسريباته عن رئيس الكتلة الديمقراطيّة محمّد عمّار. ولا يحقّ للذين رحّبوا بتسريبات الأمس أن يتباكوا اليوم على أمانة المجالس وسلامة الأعراض. ولو كان التسريب متعلّقا بالضفّة الأخرى لنصبت المحاكم ولبَلغ خطاب الكراهيّة أقصاه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات