تبّينيّات

من علامات الضحالة المتفاقمة في مشهدنا ما كان من إدانة اليوم من عديد الوجوه الحزبيّة والإعلامية لتصريح السيّد وزير الدفاع حول الاحتجاجات بالساحل. ومزايدات بينهم (شكون يطلّع الكرة أكثر). وضغط على الرجل حتى اضطرّ إلى الاعتذار عن خطأ مزعوم ( حتّى هو سامحني فيه يطيح قبل الضربة).

حقيقة الأمر أنّه لم يكن من الوزير أكثر من الإشارة إلى معطى تعلّق بالهويّة الغالبة على المحتجّين بجهة الساحل على أنّهم ضيوف، في إشارة مهذّبة إلى أنّهم ليسوا أصيلي الجهة (وين المشكل؟). وأنّ الوضع الاقتصادي ولاسيما في قطاع السياحة بسبب الوباء كان نتيجته فقدان كثيرين لمواطن عملهم. ولعلّ ذلك كان من أسباب الاحتجاج.

ولا عيب حتّى لو قال إنهم نزحوا للعمل إلى الجهة. فالإدانة - إذا كان لا بدّ منها - توجّه إلى التفاوت الجهوي والنزوح باتجاه مواطن الشغل وليس إلى أسلوب التعبير عن نتائجها ومنه ما قاله وزير الدفاع.

العيب الأصلي ليس في عبارة "من وراء البلايك" فهي نتيجة ولغة واصفة لا تخلو من حدّة، ولكن في السياسات التي ولّدت هذا الانقسام الاجتماعي الحادّ.

وكان يمكن لمختصّ في سوسيولوجيا الاحتجاج والحركات الاجتماعيّة أن يذكر مثل هذه المعطيات التي أشار إليها الوزير، أن صحّت.

وفي المقابل هناك سكوت من هؤلاء عن اعتداءات طالت ما بني من مؤسسات سياسيّة، وصمتهم تجاه استهداف الديمقراطيّة وشروط استكمال مسارها.

ولم نر ممّن طالب منهم وزير الدفاع بالاستقالة سوى التواطؤ مع هذا المنزع الفاشي ومحاكاته في بلطجته داخل المؤسسات الدستورية محاكاة اصطفاف.

حتّى الاحتجاجات الأخيرة لم تقارب عند هؤلاء بمرجعيّة الديمقراطيّة، ورضوا بالخوض فيها بحسابات حزبيّة "بعيدة على الخزمة" وعلى سميغ الرجولية المطلوب في السياسة كي تبقى سياسة: فالديمقراطية تعتبر الاحتجاج السلمي جزءا من بنائها السياسي وإشارة إلى خلل في السياسات، وتدعو إلى معالجة عميقة لأسباب ما ينجرّ من تخريب عن الاحتجاج العنيف ولا تبرّره. وتطبق القانون في نتائج هذا وذاك.

أقول هذا مع نقدي الجذري لمن عيّنه، ولمشروعه الشكلاني عديم الجدوى.

الخوض في ما صرّح به وزير الدفاع وما شابهه هو اختصاص التافه فيصل التبيني الذي لا يحسن سواه. وهو موضوعه المفضّل. وجعله قضيّة القضايا من قبل المشار إليهم هو أسلوب تبيني صرف.

نقصوا من الكذب ومن التفاهة وخلّا للتبّيني فاش يحكي ...تتأفَّفون من الجهوية ( ولم أر في كلام الوزير جهوية)، وتنغمسون في "طائفيّة سياسيّة" متخلّفة مزّقت البلد، ومكّنت للتكنوقراط في المنعرجات المهمّة، ومنعت وضْعَ حجَر على حجَر لبناء ما انْهدم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات