"النضال" تحت سقف عبير

Photo

يبدو أنّ من كان نواة مقاومة الاستبداد ودفَع الثمن غاليا من الأمن والثمرات والأنفس، حتّى وإنْ ظنّ أنّه كان يدافع عن جسمه السياسي، لا يمكن إلاّ أن يكون نواة تأسيس الحريّة والشرط الأهمّ وليس الوحيد في بناء الديمقراطيّة والمواطنة الكريمة، حتّى وإن ظنّ أنّه إنّما يخوض "معركة وجود"، بعد كسر الاستبداد.

وكأنّنا أمام قاعدة عامّة: أشدّكم في مقاومة الاستبداد أشدّكم في تأسيس الحريّة وبناء الديمقراطيّة. وهذه القاعدة تغطّي كلّ مساحة النضال ضدّ الاستبداد من 1956 إلى 2011.

شرف مقاومة الاستبداد انتهى مع هروب رأس منظومة التعذيب، وقام شرف آخر لا يقلّ شرفا هو المساهمة في بناء الديمقراطيّة ومؤسساتها الممثَّلة. ولذلك أرثي لحال من لم يحظَوْا بشرف المساهمة في مكافحة الاستبداد، بسبب تجمّعيّتهم أو توهّمهم بإمكانيّة الخلاص الفردي أو منعهم وسواس الإيديولوجيا من مناصرة حركة الحقوق والحريّات وربّما مؤازرة المستبدّ في تنكيله بمعارضيه…

أرثي لحال هؤلاء، لا عن ماضيهم فقد جبّت الثورة ما قبلها، ولكن لأنّهم مثلما تخلّفوا عن شرف النضال ضدّ الاستبداد يخطئون اليوم في تبيّن "الشرف الجديد" شرف بناء الديمقراطيّة في مواجهة الفاشيّة والشعبويّة ومن يدعمهما. فيستظلّون بسقف الفاشيّة، وعوا ذلك أم لم يعوا، فيعتصمون ويلتحفون بالزُّوُرْ (جمع زاورة) في بهو المجلس ويرفعون رايات النصر مبتهجين مثلها تماما ويزورهم التافه الشفّي متاع "جماهبير شعبنا"ويعدون بالتصعيد وبسحب الثقة من رئيس المجلس. وقد كانوا صوّتوا مع عبير. وإن حاولوا تقديم لائحة سحب ثقة موازية ولكنّ المتوازيَين التقيا في التصويت الذي انقلب إلى تجديد الثقة بدل سحبها.

ومع ذلك فإنّهم لو جعلوا درء اعتداء الفاشيّة على مجلس نواب الشعب وتعطيل أشغاله أولويّة، مثلما نصحناهم، لكان مسارهم غير المسار المتذيّل للفاشيّة، ولكان خراج نضالهم لهم لا لعبير كما هو اليوم، حتّى وإن كانت نيّاتهم غير ذلك. لكان لكلّ ما قالوه في رئاسة المجلس ولسحب الثقة منها مصداقيّة وقيمة سياسية. ولتمكّنوا من إرساء خطّ سياسي جديد قد يكون طرفا في معادلة سياسيّة بين قوّتين فاعلتين ممثَّلتين تحتاجهما الديمقراطيّة.

لسنا سعداء بكشفهم من قبل عبير وحديثها عن تنسيقها مع الشعب والتيّار. بل لسنا في حاجة إلى إخراج رسائل الوتساب المزعومة، فقد شاهدنا على المباشر "نداء المرحلة التاريخيّة" واستجابة "خالد الذكر الكريشي" لندائها وإشارته الخفيّة لها بالتريّث، فالاستعانة على قضاء الحاجة لا يكون إلاّ بكتمان.

وقبل هذا كنّا على يقين مِنْ أنّ مَن يعتبر بلطجة الفاشيّة "وجهة نظر سياسيّة" وليس "استهدافا للديمقراطيّة وإجهاضا لمسار بنائها" سينتهي حتما تابعا للفاشيّة، وإن حاول إخفاء هذا "المصير المؤلم" بالتوّجه إلى مناشدة الشعبويّة (بأصوات مختلفة) بتوهّم رغبتها وقدرتها على إيقاف المسار وخرق الدستور والقانون والاختيار الشعبي الحرّ.

مصيرهم هذا في ظلّ الحريّة المعمّدة بدماء الشهداء أشدّ إيلاما من خضوع بعضهم للاستبداد وسكوت البعض الآخر منهم عن جرائمه ومشاركة آخرين له في جرائمه.

تضييع "شرف المساهمة" في مناسبتين أشدّ من العذاب لو كانوا يفقهون...ولكن باب المراجعة والتصحيح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مفتوح، ونرى بصيصا من أمله في مواقف جريئة من قيادات أولى في حزب التيّار وفي مقدّمتهم أمينه العام. قد تخلق وضعا جديدا إذا كانت بالجديّة والحزم المطلوبين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات