حوار عميد المحامين حاتم مزيو المتشنج والمتناقض والمرتبك اليوم على إذاعة ifm جاء ليؤكد نفس الاستنتاجات المستخلصة من حواره السابق حول خذلان هيئة المحامين لقضية استقلال القضاء والمحاماة وإضعافها دور المحاماة في التصدي للانحرافات وخلق التوازن المطلوب بين السلطة والمجتمع وسيرها غير المشروط خلف السلطة السياسية على حساب مبادئ الديمقراطية والحريات العامة والفردية…
اليوم ذهب عميد المحامين بعيدا في تماهيه مع السلطة الحاكمة حين عبر - دون حرج - عن رغبته في نجاح "مسار 25 جويلية"، وحين سعى جاهدا للرد على منتقديها و"لعن" خصومها واتهامهم بمحاولة جرّ المحاماة إلى "طرح سياسي" ليس من مشمولاتها ولا من أدوارها، دون إغفال تذكيره الميكانيكي - دون سياق - بخطايا الأحزاب في الفترة الماضية مُقدما للسلطة الاسطوانة التي تريدها رغم أن سياق قضية إحالة قامة المحاماة الأستاذ بشير الفرشيشي على التحقيق في جرائم حق عام مضحكة هو سياق احتجاج على السلطة الحاكمة وأذرعها من وزارة عدل ونيابة عمومية وإدارة سجون…
طبعا عميد المحامين يقدم كل هذا الخطاب المؤيد للسلطة الحاكمة وهو يؤكد مع كل جملة على عدم تدخل هيئة المحامين في السياسة وعدم تذيلها للسلطة وبالتالي وقوفها على الحياد بين الفرقاء السياسيين وعدم تورطها في "الطُّرح السياسي" الذي يراد جرها إليه!!
لم يكتف عميد المحامين بذلك في سياق ذوده عن المحاماة المناضلة واحتجاجه "القوي" على محاكمة رئيس لجنة الدفاع عن الدفاع، بل كشف للرأي العام - بطريقة جازمة - بأن رئيس الجمهورية رافض لهذه المحاكمة! وبأن جهة ما لم يسمّها تريد الإضرار برئيس الجمهورية وبسمعة رئيس الجمهورية!
إذن، إذا لم يكن احتجاج العميد وغضبه موجها لوزارة العدل - التي لم يذكرها اليوم أصلا - وإذا كان العميد قد برٌأ اليوم بصفة صريحة رئيس الجمهورية من الموضوع ونزهه وأكد ثقته فيه وهو الماسك بكل دواليب السلطة وتفاصيلها والتعيينات المستوجبة…فضدّ من يحتج العميد؟ ولمن وُجّهت بعض نوبات الغضب العرضية والتهديد العائم بالتصعيد؟ فحتى النيابة العمومية التي أدانها العميد في التصريح الفارط ووجه إليها سهامه لم يُشر إليها في حوار اليوم!
واضح أن عميد المحامين خير الدفاع عن بعض المحامين وبعض المحاماة من بطش السلطة بمزيد من التقرب للسلطة ومزيد من شهادات البراءة التي تتعارض مع الواقع القضائي المرير…إلى حدّ أنه نسب لرئيس الجمهورية - إضافة للمبادئ والمواقف - "نضالات" لا يدّعيها رئيس الجمهورية نفسه، بل ربما "يبغضها" بُغض المناضلين وقد شهد حُكمه وضع نصفهم في السجون…ولا أحد الٱن يدري - بعد مرور ساعات طويلة عن الحوار - من أين جاء عميد المحامين بنضالات الرئيس؟ كما لا أحد يعلم - إزاء خطاب "التيتّم" للسلطة - أين ذهبت نضالات المحامين عبر العقود…محاماة المظلوم… والأرملة…و"اليتيم"؟
من حق المحامين والمتابعين والمهتمين الانتباه لمواقف العميد والهيئة في هذا الظرف التاريخي الدقيق لأن له تداعيات مباشرة - بل وحاصلة الٱن - على الوضع القضائي وعلى الحريات وعلى مستقبل المحاماة ودورها وعلى البلاد…والمواقف الراهنة قد ترتهن القضاء والمحاماة والبلاد لسنوات طويلة…وسيُسأل العميد الحالي والسابق والهيئة عن ذلك…لكن المحاماة ستؤاخذ بذلك، وستكون مشروعية تدخل الهيئة مستقبلا في الشأن العام والسياسي والقضائي على المحك طالما أنها اختارت الحياد وعدم التدخل اليوم ووقت يجب…مع التذكير بأن المحاماة لم تفرض وجودها في الساحة العامة وكلاعب مدني وسياسي وقضائي إلا بنضالاتها القضائية والسياسية والحقوقية..فإذا غاب عنها ذلك فقدت الكثير من وزنها ولم تنفعها القطاعية والانكفاء…