وما دخلنا في الشؤون الداخلية للانقلابات!!

تصوّر! مواطن ما دخله في الانقلابات!! الانقلابات التي تسلبه حريته وتدمر معيشته وتؤبد فقره! تصوّر! رجل قانون وقاض درس الحقوق والحريات العامة والقانون الدستوري والأنظمة السياسية والسياسات العمومية ومبادئ الديمقراطية في الدولة وحتى في الشركات...ويتعهد منذ 22 سنة بالقضايا المرتبط كثيرها بالقانون الجزائي وحريات الناس وضوابط تقييدها والسجون التي تضُمّها...ما دخله في الانقلابات التي تعصف بالحريات!!

تصوّر! عشنا 23 سنة سوداء في ظل نظام بن علي الذي جاء بانقلاب ورأينا فيها التعذيب وقتل الحريات وتدجين المؤسسات وتوظيف القضاء والحكم بالحديد النار...ويراد لنا بعد أن قدمنا الشهداء ودفعنا التضحيات أن نعود لذلك الزمن المريع...ما دخلنا في الانقلابات!!

تصور! عشنا في 2005 - كقضاة - الانقلاب على جمعية القضاة من قبل نظام الاستبداد بكل تفاصيله وكوابيسه وجراحاته وندوبه وتداعياته إلى قيام الثورة...وشاهدنا كيف استعمل بن علي - الحاكم الفردي - في تنفيذ انقلابه أذنابه من قضاة الإدارة والفساد والتعليمات...وبعض أولئك وتلاميذهم السيئون والمستفيدون الآن مباشرة وشخصيا من المجلس الأعلى للقضاء يحيطون الآن بالقصر ويلعبون نفس الدور لحل المجلس الأعلى للقضاء وللكيد للقضاة ويعرضون أساليب "القوادة" البدائية التي ألفوها مع كل حاكم لتبرير وتشجيع الخطاب الرئاسي الهدّام تجاه القضاء انتقاما من الثورة والحرية والمناضلين من أجلها…

لقد خلفت سنوات ما بعد الانقلاب على جمعية القضاة ورفع السقف عن القضاة وإسكات صوتهم العالي - لمن عاش تلك الفترة من 2005 إلى 2010 ويذكرها - لقد خلفت على القضاء والقضاة إذلالا كبيرا ومهانة غير مسبوقة لولا وقفة ثلة من قضاة الهيئة الشرعية ومسانديهم وإنقاذهم شرف العدالة بتسميتهم الانقلاب بالانقلاب وحسن توصيفه ثم مقاومته على ذلك الأساس إلى حين سقوطه بسقوط النظام الاستبدادي ورفع الحماية عن المنقلبين...لقد عشنا كل ذلك بأنفسنا وجوارحنا حين كانوا في كوكب آخر...ويريدوننا أن ننسى الانقلابات، ونسكت عن الانقلابات...ثم يقال ما دخلنا في الانقلابات!!

لكن في الحقيقة، هل تدخلنا في الشؤون الداخلية للانقلابات؟

معاذ الله أن نتدخل في ما لا يعنينا...هو الانقلاب أتانا...الانقلاب هو الذي تدخل في حريتنا، في برلماننا الذي انتخبنا أعضائه، في الدستور والقوانين التي نطبقها ونقضي على ضوئها، في قضائنا المستقل، في مجلسنا العالي للقضاء الذي نرجع إليه بالنظر في كل شؤونا المهنية ومسيرتنا القضائية، في مستقبل بلدنا الخارج لتوه من غياهب الاستبداد...

ما دخلنا في الانقلابات؟

نتساءل وكأننا لا نعلم حقا ما معنى الانقلابات؟ وكأننا لا نعلم ما فعلت الانقلابات بالأمم...وبالناس... الانقلاب هو ألا يبقى شيء من البلد بعد الإقدام عليه...وها قد توغلنا كثيرا كثيرا...في اللاشيء! ثم يُراد لنا أن نسكت عن الانقلاب…

يسقط الانقلاب!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات