قانون القوة أو الانقلابات الإجرائية والإعلامية في ملف الطيب راشد وبشير العكرمي!

كيف تحول الموضوع من تحقيق في تلاعب الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد بملفات قضائية والتسبب في خسارة الدولة لمئات المليارات إلى محاكمة لوكيل الجمهورية بشير العكرمي الذي كشف التلاعب وأقام الدليل على جدية وخطورة الجرائم صلب تقريره الذي أحاله على المجلس الأعلى للقضاء منذ سبتمبر 2020؟ كيف تحول الأمر إلى محاكمة لبشير العكرمي نفسه مع المماطلة في محاسبة الطيب راشد وإخفاؤه عن الأنظار والتستر عليه والدفاع المغلف عنه؟

1/ بشير العكرمي : من مُكلف بكشف جرائم الطيب راشد إلى ملاحق بسبب ادعاء الطيب راشد!

فمجلس القضاء العدلي الذي تم إبلاغه - بالشهادات العديدة والأدلة - بالتلاعب الإجرائي وبالأحكام القضائية المنسوب للطيب راشد بالذات أذن لوكيل الجمهورية بشير العكرمي بالبحث فيها، لكنه عند ورود التقرير عليه، وبفعل الضغط السياسي والإعلامي الموجه، وبفعل الإسناد السياسي للطيب راشد، التفّ على مساره ونقض غزله وخطر له أن يكلف التفقدية بأن تحيل له مآل الابحاث والشكايات المتعلقة لا بالطيب راشد فقط ....بل أيضا بمن كشف عن تلك الجرائم وهو وكيل الجمهورية بشير العكرمي! ربطا غير مفهوم إجرائيا وقانونيا ومنطقيا سوى تبرير إزاحة العكرمي التعسفية وغير قانونية قبل أشهر من وكالة الجمهورية والإذعان للضغوط السياسية...بما يمثل التفافا على مسار محاسبة الرئيس الأول وقلبا للصورة والمشهد رأسا على عقب!!

2/ تفقدية القضاة : يكلفونها بتقديم الشكايات والأبحاث السابقة التي لديها فتقرر إجراء أبحاث جديدة!

تفقدية القضاة التي كلفها مجلس القضاء العدلي بتاريخ 24 نوفمبر 2020 بالإدلاء - في ظرف أسبوعين فقط - بمآل الشكايات المقدمة في الطيب راشد وبشير العكرمي رغم أنه يتحوز وقتها بأبحاث كافية لمحاسبة الطيب راشد، أصبح يقوم بأبحاث جديدة واستقراءات لأول مرة المقصود منها أساسا بشير العكرمي لإلحاقه بالطيب راشد، ويفتح قنوات عديدة للربط بين الملفين وفرض توازن مفقود بينهما والحال أنه كان مطلوبا منه فقط تقديم ما لديه من شكايات سابقة لكل واحد منهما والتي على ضوئها يتخذ المجلس قراره في خصوصها إما بالبحث أو الحفظ أو غيرها...غير أن تفقدية القضاة انقلبت على قرار المجلس وانحرفت بالملف وغاصت به نحو أروقة التعويم والتلبيس والمساومة، انحرافا امتد لاحقا إلى عمل المجلس نفسه الذي فقد بوصلته وقَبِل بالتعهد بأبحاث جديدة لم يتضمنها قراره ولم يكلف التفقدية بالبحث فيها!

3/ تفقدية القضاة تُنقذ الطيب مرتين؟

تفقدية القضاة التي سبق أن تسببت في إفلات الطيب راشد من المحاسبة باستبعاده من البحث الأول في قضية النقض بدون الإحالة واجتهدت في عدم حشره في القضية وأدانت غيره من القضاة تمت مؤاخذاتهم تأديبيا وعزلهم لاحقا واستبعدته هو رغم أنه هو مهندس التلاعب والتجاوزات وقد كان بإمكانها ولو تمتعت بالنزاهة فض الموضوع منذ أكثر من عام، هذه التفقدية التي تسترت سابقا على الطيب أعيد لها ملف الطيب نفسه لكن مرفوقا بالجديد وهو ملف بشير العكرمي لتجد الفرصة جاهزة لا لإصلاح خطئها وتصويب الأمور بل لتبرئة نفسها وتبرير تبييضها السابق للطيب راشد ومحاولة إنقاذه من خلال إدانة بشير العكرمي ونسف تقريره من الأساس والاجتهاد في توريطه ونسبة أقصى ما يمكن من التجاوزات إليه...لينقلب اهتمامها وتتحول أبحاثها من الأصل الذي تعهدت به إلى الفرع الذي كان سببا أساسيا في تعهدها بالأصل!! وها نحن نوشك على فصل ملف بشير العكرمي - كاشف تجاوزات الطيب قبل ملف الطيب راشد...ولا يزال الطيب راشد في انتظار تبليغه بالاستدعاء!!

4/ مجلس القضاء العدلي نسي الأصل وغرق في الفرع !

مجلس القضاء العدلي الذي اتخذ قراره بالإجماع في رفع الحصانة عن الطيب راشد والمشفوع بقرار المجلس الأعلى للقضاء بأغلبية ثلثيه في تجميد عضويته بالمجلس والمعزز بفتح تحقيق ضده في جرائم الارتشاء والتدليس وغسيل الأموال...رفض استكمال إجراءاته الردعية إزاءه ورفض التعجيل بإزاحته من منصبه وتركه يباشر مهامه على رأس أسمى المحاكم - محكمة التعقيب وأخطر المؤسسات - هيئة مراقبة دستورية القوانين...وانصرف إلى بشير العكرمي يستعجل البت في ملفه رغم عدم اتخاذ أي قرارات تحفظية ضده ورغم عدم تحوزه على نفس صفات ومهام وخطورة منصب الرئيس الأول، بل إن الخطة التي تلاحقه لعنتها - قاضي تحقيق - غادرها قبل خمس سنوات، وإن الخطة التي يُتهم بسببها - أي وكالة الجمهورية - تم عزله منها قبل عام وقد زال "خطره" في البقاء بها على عكس الرئيس الأول لمحكمة التعقيب!!...ليكون المجلس قد انقلب هذه المرة على المنطق ومقتضيات النجاعة وعلى الأولويات الإجرائية والقضائية في حماية الوظائف القضائية العليا وكف يد من يضع يده على الملفات!!

5/ مكافأة المتهرّب واستهداف الماثل !

اليوم صاحب القضية الأصلية الرئيس الأول لمحكمة التعقيب يماطل في تسلم الاستدعاء للحضور بمجلس التأديب، ويماطل في الجواب عن الاتهامات الموجهة له ويهرب من مصيره المحتوم ويختفي من المشهد وينتفع بالتساهل المكشوف معه ويحظى بالتأخير لإعادة استدعائه!!...ليقف متفرجا من بعيد وفي أمان تمام على معركة كأنها لا تخصه أو تخاض بالوكالة عنه...ويترك المجال واسعا لمجلس القضاء العدلي للإنفراد ببشير العكرمي وإعمال حساباته في ملفه ..كما يترك المجال لهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي لمحاكمته إعلاميا وفرض صوتها الصدّاح الذي تفتح له كل المنابر، وتسليط أسلوبها الابتزازي والاتهامي على مجلس القضاء العدلي والقوى القضائية…

6/ الانتصار...بالغياب !

يغيب الطيب راشد فجأة عن الاهتمام الإعلامي والسياسي أو يقع تغييبه والتكفل بأمر "خصومه" مكانه وهو المتهم بمزاوجة الفساد القضائي والمالي والسياسي، وهو الغائب عن المحاكمة والعاجز عن تقديم ردوده وحتى عن الحضور...ويقتصر المشهد على صورة مختلة وفي اتجاه واحد ومكثف ومنسق سياسيا وإعلاميا ضد بشير العكرمي رغم حضوره بالمجلس ومواجهته الاتهامات ورده عليها تفصيليا بمذكرة دفاع في أكثر من خمسين صفحة وفي مرافعة بأربع ساعات كانت "محاكمة" لمحاكميه و"لمهندسي" ملفه وللمتفقد العام خصوصا بأن اتهمه في مواضع كثيرة جدا من مذكرة دفاعه بالتدليس وتغيير الحقيقة وحتى بعدم الاطلاع على أعماله التي يتولى تقييمها وبالتبني الآلي لرواية هيئة الدفاع دون تبصر أو تمحيص…

7/ للطيب قرينة عظمى للبراءة، وللبشير حكم بات بالإدانة !

طبعا لا أثر إعلامي لكل تلك الردود المدعمة على الاتهامات المستهلكة...ولا تسريب لمذكرة الدفاع الجديدة على تقرير التفقد "البايت"...ولا أحد في البلاد يتصور أو يُسمح له بتصور أن قرينة البراءة التي يوزعها حقوقيونا منذ عشر سنوات على أكبر المجرمين والقتلة والجلادين والسراق لها مكان في هذا الملف، وأن هناك رواية أخرى قُدمت للجهة الرسمية المتعهدة وقد تكون أسقطت الكثير أو أغلب أو كل ما قيل طيلة ثماني سنوات…

تسير الأمور في هذا الملف على رأسها، ولا قانون يحكمها ولا إجراءات ولا منطق، ولا ناظم فيها سوى الضغط السياسي والقصف الإعلامي المركز وفي اتجاه واحد يعمل على كشف حقيقة يشتهيها وفرض حكم جاهز تخطها أيديه...وحدها القوة هي التي تحكم...ووحدها التي تدين، وهي التي تبرّئ!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات